"فين اللي كانوا؟"

• البرازيلي "بالتازاو ليموس" اللي عنده 60 سنة واللي عايش في مدينة "كوريتيبا بارانا" البرازيلية بيشتغل منظم جنازات!.. أيوا بالظبط كده منظم جنازات.. في البرازيل وفي دول كتير في العالم فيه الوظيفة دي واللي بيكون من أساسياتها التنسيق بين الكنيسة وبين أسرة الشخص المتوفى لتحديد ميعاد إلقاء نظرة الوداع على تابوت المتوفى، ومراسم الدفن، وتنظيم دخول الأسرة وهكذا.. وظيفة خلّت عند "بالتازاو" قُرب بشكل معين من الموت.. بيشوفه تقريبًا كل يوم سواء في جثامين المتوفين أو في نظرات الحزن على القرايب والأصدقاء اللي بيكونوا موجودين.. من حوالي 7 شهور حصل موقف أثر جدًا في "بالتازاو" لما شاف جنازة ماحضرش فيها غير شخصين بس!.. إيه ده!.. هو اللي مات ده ماكنش يعرف غير اتنين بس في حياته الطويلة العريضة دي!.. ورغم إنه بره الموضوع أساسًا بس الفكرة نفسها أصابته بإحباط كبير خصوصًا إنه كان لسه في اليوم اللي قبلها بينظم جنازة حضرها 500 شخص!.. الفرق بين الرقمين حسسوا "بالتازاو" إن الدنيا دي غريبة وعجيبة وطبع ناسها مالوش حسابات!.. طب لو أنا بكره الصبح اتوفيت يا ترى كام شخص هيحضر جنازتي!.. ابتسم وهز راسه بعنف كإنه بيطرد الفكرة من راسه وكمل شغله عادي جدًا كالمعتاد.. طبيعة شخصية "بالتازاو" إنه شخص خدوم وجدع مع كل الناس.. يعني مش هتقصده في خدمة خاصة بيك إلا وهيعملها حتى لو هييجي على نفسه.. هتطلب منه فلوس، وهو مفلس؟.. هيستلف عشان يسلفك!.. هتطلبه ييجي معاك مشوار في يوم أجازته الأسبوعي؟.. طز في الراحة وهييجي معاك بمنتهى السهولة!.. إنسان سلس بطريقة مبقتش موجودة في الزمن ده.. لكن للأسف ولإن معظم الناس لما بيلاقوك متاح دايمًا بيدوسوا عليك وبيستغلوا ده لآخر نقطة جهد عندك؛ الموضوع زاد عن حده بشكل كبير!.. الراجل مابقاش عنده وقت لنفسه خالص!.. الناس طمعانة حتى الساعات اللي مخصصها له هو.. لحد ما سمع كلمة عابرة من حد معاه في الشغل وسابت فيه أثر لما قال له بما معناه وبالبلدي كده (أنت عكاك يا عم "بالتازاو".. فاتح باب قلبك وجهدك للي يسوى واللي مايسواش مع إنك لو احتجت أي حاجة أو خدمة من اللي أنت فاني عمرك وحياتك وعليهم دول مش هتلاقيهم).. إيه يا عم اللي أنت بتقوله ده أنا كل اللي حوالي جدعان ويفدوني برقبتهم!.. يا سيدي فكك بقى من كلام الأونطة ده أنت لا عمرك فرقت ولا هتفرق مع حد غير بس عشان اللي بيقدروا ياخدوه منك فقط لا غير.. إيه؟!.. الجملة خلّته يقف مع نفسه وقفة ويحاول يعصر دماغه عشان يفتكر المرات اللي كان بيحتاج فيها حد جنبه من اللي هو عمره ما قصر معاهم كان بيبقى مردودها إيه!.. بخ ولا أي حاجة... ذاكرته ماقدرتش تسعفه غير بمرات خذلان متتالية بحجج فارغة وتافهة اتقالت له وصدقها!.. لأ أنا محتاج شيء عملي يثبت لي أكتر أهميتي عند اللي أنا فاكرني مهم عندهم.. هتعمل إيه؟.. هنفذ اللي كنت بفكر فيه من شهور.. اللي هو إيه؟.. هعلن إني اتوفيت وهعمل جنازة وهمية ليا وهشوف مين اللي هيحضر ومين اللي لأ.. إيه الجنان ده!.. نفذ فورًا بدون ما يسيب فرصة لعقله يقنعه بغباء الفكرة أو عدم جدواها.. بالاتفاق مع واحد من قرايبه إداله أكاونت فيسبوك بتاعه وخلاّه يكتب عليه: (في بداية عصر هذا اليوم الحزين، غادرنا بالتازاو ليموس.. أنا صديقه فلان الفلاني).. الخبر عمل قلبان في المدينة وتم تجهيز الكنيسة في اليوم اللي بعده عشان يستقبل عشرات إن ماكنش مئات الناس اللي "بالتازاو" خدمهم.. المشكلة إن "بالتازاو" مافكرش في وقع الخبر على واحدة زي والدته السيدة المسنة اللي عمرها 82 سنة والمصابة أصلًا بالشلل، واللي بمجرد ما سمعت الموضوع جالها أزمة قلبية صعبة!.. الغريب بقى إن الوالدة ورغم مرور ساعات بسيطة على أزمتها القلبية صممت تكون أول حد يروح الكنيسة!.. بعدها جه الإخوات وأولادهم.. بعدها جُم كام واحد من الأصدقاء المعدودين!.. بس؟.. أيوا بس!.. صدمة قاسية مفيش بعدها الحقيقة.. النعش اللي المفروض فيه الجثمان كان في وسط الكنيسة وبدأ توافد الناس عشان يبصوا عليه.. بدأ الكل يسمع صوت "بالتازاو" وهو بيتكلم في ميكروفون فكلهم تخيلوا إن ده صوته مسجل لكن الدهشة بلغت من الكل مبلغها لما لقوه بيخرج من النعش وهو ماسك في إيده ميكروفون وبيكمل كلامه عادي!.. حالة ذهول وصراخ وبهجة وغضب كل ده ممزوج مع بعضه حس بيه كل الموجودين!.. أنت إزاي عملت كده وليه أصلًا!.. كان رده الثابت عشان أختبر غلاوتي عند غيري وكويس إني قدرت أختبرها.. بعد ما فاقوا من المفاجأة؛ المعظم إن ماكنش الكل سيطر عليهم غيظ شديد لدرجة إنهم قرروا يقاطعوا "بالتازاو" للأبد لإنهم شافوه تلاعب بمشاعرهم تلاعب سخيف وغير محترم.. حتى والدته اتضايقت بس في النهاية فرحتها غلبت غضبها.. "بالتازاو" عنده ثقة رهيبة إنه هيقدر يصالح أصدقاءه وإخواته اللي زعلوا منه على الحركة بتاعته لإنه خلاص تأكد من محبتهم الخالصة له بالتالي مسألة مصالحتهم مش هتاخد وقت خالص خصوصًا كمان إنه فرحته على تنقية دواير معارفه كانت المكسب الأهم والأعظم واللي شال من على عينيه غشاوة لو كان فضل يتعامل بيها زى ما بيتعامل بقاله سنين ماكنش هيقدر يكتشفها ولا يكتشفهم.  

• كلمات من نوعية "صديقي" أو "حبيبي" أو "أخويا" كلمات تقيلة ليها فروضها وقوانينها اللي بيجبروك تختار أصحابها بعناية.. في كتير من العلاقات مش بيبقى مهم أنت شايفهم إزاي قد ما بالضرورة وبالتوازي لازم تكون فاهم أنت متشاف إزاى.. هدر المشاعر على الناس الغلط هيجبرك تتغرس في دواير المصالح والاستغلال وللأسف واحدة واحدة نورك هينطفي عشان متوجه في اتجاه مش شبهك ولا كان ولا هيكون، وفي لحظة الجد هتستغرب فين اللي كانوا أعز الحبايب.