القراءة هي الحل
مصر مهد الحضارة والتاريخ، برع المصريون فى كل العلوم قديما وتركوا لنا إرثا عظيما يدل على تقدمهم وعبقريتهم في شتى العلوم.
ومازالت الحضارة المصرية لم تبح بأسرارها كاملة فنتساءل كيف تم بناء الأهرامات؟ وكيف تم رفع تلك الحجارة الضخمة المستخدمة فى عملية البناء؟ وسر التحنيط؟ وتعامد الشمس على وجة الملك رمسيس؟ والألوان الزاهية التى مر عليها عقود وعقود من السنوات ومازالت زاهية؟، وغيرها من الأسئلة لا تحصى ومازلنا نبحث لها عن إجابات، والأهم أنهم تركوا على حوائط معابدهم وفي قبورهم وعلى المسلات وورق البردي بعضا من تاريخهم مما يدل على أهمية العلم والكتابة فى حياتهم، وهذا سر المقولة التى تزين معرض هذا العام (إن ما يخطه قلمك سيعيش أبد الدهر) عبارة قالها الحكيم المصري حتب سنب، وصدق الحكيم فلولا ما كتب ما عرفنا هذا التاريخ المجيد لأجدادنا.
وينصح الحكيم "آني" ويخاطب ابنه قائلا: (فلتكن أمنيتك أن تصبح كاتبا، فالكاتب أعطى رزقا تسعى إليه، وأعظم هبة يهبها الإله لمن يسعى إليه، الكتاب أعظم قيمة من مسكن الحياة حيث تشرق الشمس وأبقى خلودا من مقبرة حيث تغرب الشمس)، لذلك كان الكاتب المصرى له أهمية كبيرة وتمثال الكاتب المصرى مازلنا نقف أمامه بكل إعزاز وتقدير، وكانت أول كلمة نزلت فى كتاب الله (اقرأ) فنحن أمة اقرأ الذي حملت رسالة الله عز وجل إلى البشرية.
وللقراءة أهمية قصوى فى نقل الخبرات وقراءة تاريخ الأمم، فهى من تفتح آفاق لنهضة الإنسانية وتقدم الأمم، فأوروبا نهضت بنقل حضارة العرب والأندلس فصنعت نهضتها، وفي عهد العباسيين نهضت حركة الترجمة والتعريب لنقل خبرات الحضارت السابقة على نهضتهم من الهند والفرس واليونان والرومان ليصنعوا نهضتهم وتقدمهم.
لا أنكر سعادتي الشخصية وأنا أشاهد الأعداد الغفيرة من رواد معرض الكتاب، من الأسر المصرية، سعادة غامرة وأنت تشاهد هذا الشغف من الزائرين، ورحلات جماعية مبهجة من كل ربوع مصر، وكأننا في انتفاضة ثقافية، برغم الظروف الاقتصادية التي نعيشها يقبلون على شراء الكتب، ويتحملون تكلفة تلك الرحلات إلى معرض الكتاب.
والتنوع في المعرض من حفلات غنائية وفلكورية ومنطقة الكيدز وغيرها من عوامل الجذب التي تجعل أهلنا بأطفالهم يشعرون بالسعادة، فهناك قاعة كاملة لكتب الأطفال بتنوعاتها، فهم من يجب أن نحببهم في القراءة واقتناء الكتب، وتلك مسئولية الأسرة حتى تنمو تلك الهواية في عقولهم.
كما يجب على المدرسة وخصوصا في المرحلة الابتدائية أن تعطي اهتماما لحصص الأنشطة قبل الكتب الدراسية لأهمية تلك المرحلة في تنمية الوجدان والعقول، فهم البذرة التي يجب أن نرعاها بعناية، لنحصد جيلا جديدا مقبلا على العلم والتعلم والابتكار، فالكتاب هو عالم من الأفكار، وكلما قرأت كلما نمت وتنوعت أفكارك، وازداد شغفك نحو الإبداع والابتكار.
كما على الدولة أن تعيد صياغة مناهجها فى المرحلة الابتدائية، فتلك هي القاعدة التي تبني عليها جيلا محبا للإنسانية، محبا للعلم وللمعرفة وبناء العقل من أجل جيل سيكون قادر على تحمل المسئولية فلا تقدم دون علم ولا علم بدون تعلم.
وهذا يجعل الدولة في مسئولية كبيرة في إثراء تلك الحالة واستدامتها وتقديم كتب بأسعار رمزية وتقديم مسابقات على غرار المبدع الصغير، وفي كافة الأنشطة على مستوى المحافظات والمدن والمدارس والإدارات التعليمية، والاهتمام بقصور الثقافة وبكل أنشطتها المختلفة، ليكون لدينا آلاف المبدعين والفنانين والمبتكرين والعلماء والرياضيين، وأن تقوم دور النشر باختيار موضوعاتها التي تنشر بعناية بما يخدم الصالح العام والإنسانية، ولا تتحول إلى محل تجاري، فالكتاب في النهاية سلعة تجارية، لذا يجب أن تكون هناك رقابة دقيقة على كل ما يسمح أن ينشر، مع إنني ضد تلك الرقابة وأتمناها رقابة ذاتية حماية لوطن ولأجيال لا نسمح أن نلوث عقولهم بكل باطل، وأن يتم إعادة مشروع مكتبة الأسرة، فلا ننكر فضل هذا المشروع الذي قدم الكثير وبأسعار بسيطة جدا، ويتم إحياء مشروع القراءة للجميع، وأن يهتم بالمكتبات العامة، وأن تعمم على مستوى المدن وأن تفتح مكتبات المدارس أبوابها فى الإجازات الصيفية لأبناء المنطقة ولا تكون قاصرة على تلاميذ المدرسة فقط.
القراءة هي مفتاح الوعي وأمل النهوض بمستقبل أفضل، فبرغم سيطرة وسائل التواصل الاجتماعى وظهور التطبيقات الإليكترونبة لكتب مسموعة ومواقع تحمل آلاف من الكتب الإليكترونية، إلا أن الكتاب الورقي وأنت تسبح فيه سيظل هو الأهم، حيث تعيش معه تجارب الآخرين وتقرأ التاريخ والأدب والشعر وغيرها من فنون الكتابة التي تبني الوجدان، وتزيد رصيدك اللغوي والمعرفي والحكمة والخيال، وتنمي الشخصية ومهارات التواصل، وتجعلك قادرا على محاربة الجهل والخرفات ودحض الشائعات وتكسبك الوقار وحسن الأخلاق، وغيرها من الصفات الحميدة.
يجب على الدولة أن تعيد قوتها الناعمة في الأدب والشعر والدراما والغناء والموسيقى وكافة مجالات الريادة التي تميزت بها مصر، ودخلت من خلالها إلى كل الدول العربية، بل وصلت إلى العالمية، وشرفنا أبناء مصر بما تميزوا به وكتبوا لنا الريادة.. فأمة لا تقرأ تموت، إنما أمة تقرأ لا تجوع ولا تستعبد.
فعلى الدولة أن تقيم معارض في كافة المحافظات وفي الجامعات وأن تهتم بالأنشطة الثقافية كافة، والرياضية والمسرحية والغنائية والفنية وغيرها من الأنشطة التي تخرج لنا أشخاصا مميزين في كل المجالات لتعود مصر إلى سابق عهدها في ريادة وتقدم.