الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

التغافل وحسن النية سر العلاقات الناجحة

الجمعة 10/فبراير/2023 - 11:51 ص

يعيش البشر جميعا في إطار مجموعة من العلاقات الاجتماعية المختلفة والمتنوعة.. جميعها ينتج عنها تفاعلات سواء كانت سلبية أو إيجابية، وقد نجد أنه دائما يحدث بين الناس ما يسمى بسوء الفهم أو التفاهم كما هو شائع، ويمر الأمر أحيانا بعد التوضيح دون خسائر وكأنه لم يكن، وفي أوقات أخرى يتسبب ذلك في مشاكل كثيرة وعداوات ربما تمتد لسنوات أو حتى لآخر العمر.

والمؤلم أن يقع هذا بين أفراد الأسرة الواحدة بعضهم البعض على اختلاف نوعية الصلة والقرابة بينهم، وأكثر تلك العلاقات تعرضا للاضطراب هي الزوجية، ولعل الجميع يلاحظ ارتفاع نسب الطلاق هذه الأيام، وهي قضية ليست سهلة ولها تداعياتها وآثارها السلبية، ولا أبالغ إذا قلت إن أغلب حالات الانفصال تلك حدثت بسبب إساءة فهم طرف للآخر، أو الطرفان معا، وذلك عندما لا تكون هناك فرصة للعقل والهدوء كي تتم رؤية الأمور على حقيقتها، ومع حالات الصراع المتكررة يُبنى جدار سميك بين الزوجين، من أهم مكوناته عدم الثقة ومن ثم تكون نهاية العلاقة.. وهذا يتضح إذا نظرنا لأغلب الحالات وحاولنا الوصول لسبب موضوعي لها.

كل ذلك يقع بين الناس لسبب واحد، وهو أن هناك من يضعون تصورا معينا في أذهانهم لمن يتعاملون معهم، ومن خلال هذا التصور تكون ردات الفعل على كل ما يصدر منهم، فإذا كان حسنا نجد العلاقات تسير بمنتهى الهدوء، ويتقبل الشخص أشياء ربما هي بالفعل غير مقبولة، إلا أنه يقنع نفسه بأن الآخر لا يقصد سوءا، وقد يتهم الشخص نفسه بعدم الفهم، حتى لا يقتنع بأن هناك مشكلة.

ونجد العكس تماما يحدث في حال أن يكون التصور المسبق سيئا والصورة الذهنية مشوهة، فيكون هذا النوع من الناس في حالة دائمة من التربص والتدقيق والتفسير السلبي، لكل ما يقوله الطرف الآخر، وقد يتحدث بعفوية دون أن يقصد أمورا معينة، فيفاجأ بسيل من الاتهامات والتفسيرات التي يقال إنه يعنيها أو يلمح لها، وهي لم تأت على باله من الأساس، وبالطبع من الممكن ألا يتمالك ذلك المتهم أعصابه من هول تلك الصدمة، فتخرج منه بعض الكلمات الغاضبة أثناء دفاعه عن نفسه، وكلما كان حسن النية، زاد غضبه لأن الأمر لديه يشبه خيبة الأمل، كيف لا هو يحمل مشاعرا طيبة ويكتشف أنه يواجه بخلافها تماما.

ولا شك أن الشعور بالظلم هو أصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان.. بالطبع أي ردة فعل أو كلمة يعبر بها عن استيائه لا توقظ ذلك المتربص، أو تقنعه بأنه مخطئ، بل تزيد يقينه بأنه على الصواب، وأنه استطاع بقدراته الخارقة إظهار الوجه القبيح لمن يتعامل معه، لأن كل إنسان يوجد بداخله شيء من الكبر، ولكن تختلف نسبته ومدى سيطرة الشخص عليه، وذلك يمنع هؤلاء من الإذعان للحق وإن بدى جليا واضحا، فتقع الخصومة تلو الأخرى، ثم ينشأ ذلك الحاجز الذي ما بناه إلا الوهم لا غيره.

لذلك إذا أردنا علاقات أكثر نجاحا وراحة مع الآخرين بشكل عام مهما كان نوعها، علينا ألا نضع احتمالات مسبقة، وألا نحاول تفسير ما يقولوه بافتراض أنهم يظهرون غير ما يبطنون، حتى وإن كان هذا صحيحا، فلن نخسر شيئا إذا افترضنا حسن النية، إلى أن يثبت العكس يقينا لا شعورا.. على الأقل لا نقع في الظلم، ولن يكون هناك ضرر إذا أخذنا الكلام والتصرفات بمعانيها الواضحة دون البحث بين السطور أو التفتيش في النوايا. 

هنا نكون قد حافظنا على سلام نفسي مؤكد أنه مفيد، ومريح أكثر بكثير من حالات الصراع التي لا يمكن أن تؤدي لفائدة تذكر، بل على العكس، فهي تنقص من رصيد الشخص لدى من حوله، حتى ينفذ تماما في يوم ما، وما أصعب أن يتبوأ المرء مكانة عالية فتسقطه أفعاله.. إن التغافل ليس عيبا أو غباء، وإنما هو قمة القوة وضبط النفس والثقة، فلنجعله عنوانا لعلاقاتنا بجانب النية الحسنة حتى يتبين لنا خلاف ذلك، بدلا من خلق معارك لا داعي لها من الأساس. وعلينا إدارك الفارق الكبير بين أن يكون المرء متغافلا.. أو مغفلا.

تابع مواقعنا