وأنت السبب يابا
• في واحدة من أكتر القصص المؤلمة اللي اتكتبت في جريدة "الديلي ميل" اتعرفنا على الطفل البريطاني "كين سوارنر" اللي كانت مشكلته الرئيسية إنه طفل متدلع.. دلع من النوعية اللي ممكن تتفهمها نسبيًا لما تعرف إنه جه بعد فترة من عقم والده ووالدته.. وهتتفهمها أكتر لما تعرف إن والدته اتوفت وهي بتولده!.. إبن عمره يوم، وأب عنده 49 سنة!.. ده الوضع وقتها في سنة 1990!.. طبيعي إن السيد "سوارنر" كان يزود في الاهتمام بالطفل اللي بيتمنى يشوف فيه العوض عن السنين اللي فاتت والسند في السنين الجاية.. من سن 3 سنين واللي الولد عايزه بيجيله لحد عنده.. لعبة غالية.. حاضر.. أكلة دسمة حتى لو مضرة على صحته وسنه.. حاضر.. لبس من ماركة مشهورة ومجرد بس إنه شافه في فاترينة محل وشاور عليه.. حاضر.. كل طلباته مجابة رغم إن "سوارنر" مش راجل غني ولا وارث ده راجل نجار بسيط على قد حاله في ورشة ومش بتاعته كمان بس كان مسخّر كل دخله المتوسط أصلًا في خدمة "كين".. مع الوقت ومرور السنين بقى عندنا طفل عمره 12 سنة بس بأخلاق وقلة أدب شاب بدون تربية عنده ضعف عمره على الأقل.. دلعه اتحول مع الوقت لـ عنف في معاملته لـ "سوارنر".. يشخط فيه قدام الناس.. يقول له ألفاظ الواحد يتكسف يقولها لواحد صاحبه مش لوالده!.. والأب مستحمل، والأهم "راضي"!.. "كين" كسر إزاز عربية جارهم وهو بيلعب كورة فاضطر والده يروح يعتذر للجار ويستلف فلوس عشان يدفع ثمنه مع إنه عمره ما استلف قبل كده!.. لما "كين" طلب إنه يطلع رحلة مع طلبة أكبر منه في السن رايحين ولاية تانية وتكلفة الرحلة دي شيء وشويات وافق "سوارنر" وطلب من صاحب الورشة إنه يضاعف فترة شغله عشان يقدر يوفر الفلوس المطلوبة!.. حتى في أيام كان المفروض "كين" يروح يسلم مشروعات دراسية مطلوبة منه في المدرسة بس البيه ولإنه مش بيحب يمشي تحت المطر كان "سوارنر" هو اللي بيروح المدرسة عشان يسلم شغله!.. "كين" نفسه ياكل ديك رومي بس ده مش ميعاده والمفروض إننا بنعمل كده في أجازة راس السنة!.. لأ أنا عايز آكل ديك رومي بكره!.. يبيع "سوارنر" الساعة بتاعته الحاجة الوحيدة اللي يمتلكها وعليها القيمة ووارثها من والدته عشان يجيب بيها طلب ابنه!.. بس الساعة ماجابتش غير ثمن قطعة ديك رومي يادوب تكفي شخص واحد!.. مش مهم المهم "كين" ينبسط.. وهكذا.. للأسف بدأت أخلاق "كين" تاخد منحنى تاني أكتر خطورة.. الولد بدأ يشرب مخدرات من ورا والده!.. طبعًا ده ظهر على درجة تركيزه، وعلى صحته.. "سوارنر" كان حاسس بس ماكنش عايز يتأكد.. ليه؟.. لإن التأكد هيخلي فيه مواجهة بينه وبين "كين" وهو مش عايز يزعله.. أنا هسيبه براحته بس هفضل قريب منه عشان لو احتاج تدخلي!.. فلسفة مؤلمة.. حتى لما ظروف "سوارنر" الصحية بقت في هبوط بسبب عامل السن فضل "كين" بنفس سخافته معاه بدون أى مراعاة.. لما وصل "كين" لـ سن 16 سنة بقى تاجر بيتعامل مع مجرمين في بيع وشراء المخدرات.. في يوم حصل خلاف بينه واحد من التجار.. خلاف عنيف سببه إن "كين" سرق بضاعة من التاجر والراجل عايز الحاجة بتاعته وطبعًا البيه باعها وصرف فلوسها!.. استغل "كين" خفة جسمه وجرى هربان استخبى في البيت وتحديدًا في أوضته بدون ما يقول حاجة لوالده طبعًا.. يوم التاني والتالت عدوا.. في اليوم الرابع كان التاجر عرف عنوان "كين" وقرر يقتله.. فضل متربص وبيراقب اللحظة المناسبة للهجوم.. "سوارنر" راجع من شغله بالليل متأخر، وبيفتح باب البيت بيهجم عليه التاجر لإن دي اللحظة الوحيدة المتاحة عشان يقدر يدخل.. بيزقه جوه، وبيرميه على الأرض، وبيقفل الباب وبيقول له ماتتحركش أنا مش عايزك أنت.. "سوارنر" كان مستسلم بشكل أو بآخر لإنه فهم إن ده حرامي جاى يسرقنا فمش مشكلة خليه ياخد حاجة ده لو لقى حاجة أصلًا.. "كين" خرج من أوضته بسبب صوت الدربكة اللي حاصلة وشاف والده على الأرض والتاجر واقف وماسك سكينة.. التاجر قال بـ لهجة نصر وهو بيشوح بالسكينة: أنا عايز "كين".. "سوارنر" مجرد ما عرف إن الأمر متعلق بـ "كين" اتحول لـ وحش!.. قام بـ خفة لا تتناسب مع حجمه الضخم واتشعلق في رقبة التاجر بإصرار إنه مش هيسيبه!.. معركة كانت هتنتهي بإنتصار "سوارنر" ودفاعه عن ابنه اللي كان واقف يتفرج بمنتهى الجُبن لولا إن التاجر رشق السكينة في بطن "سوارنر" كذا مرة ورا بعض.. رغم كده فضل الأب ماسك في رقبته!.. منظر الدم خلّى "كين" فاق، وهجم هو كمان على التاجر اللي قدر يتخلص بصعوبة من إيد "سوارنر" وزق "كين" وهرب!.. "كين" وهو بيبكي حضن والده اللي كان بيحاول يبتسم وهو بيسأله بصوت طالع منه بالعافية: (أنت بخير يا ولدي؟).. في ثواني شريط من تضحيات الأب مرت قدام عين "كين" وهو شايف والده بيموت قدامه، ويمكن دي المرة الأولى اللي يحس فيها بقيمته!.. مات "سوارنر"، وفقد "كين" سنده الوحيد في الدنيا، واكتشفت إنه ضيع كتير من عمره وهو عامي عينه وقلبه عن محبة والده ليه واللي بسببها برضه كان عنده قناعة ما إنه هيفضل عايش وبيحميه للأبد.. في يوم الجنازة، ولإن "سوارنر" كان شخصية محبوبة فيه 5 من جيرانه كانوا شايلين النعش مع "كين".. وهما في طريقهم للمقابر الدنيا مطرت.. "كين" قال بألم ووجع: (كيف تموت في يوم ممطر كهذا وأنت تعلم أنني أخاف من المطر).. باقي الناس كانوا ماشيين عادي بس "كين" اللي كان خوفه من المطر مرضي مش دلع مقدرش يشيل النعش من الجنب زى الباقيين واستخبى تحته عشان يشيله من النص وفي نفس الوقت مفيش مطر ينزل عليه!.. بيقول عن لحظة وجوده تحت النعش: (أثناء جنازة أبي هطل المطر فاحتميت به للمرة الأخيرة).
• أي حد يقدر يخلف بس مش أي حد يعرف يربي.. تقدر تكون أب بسهولة بس اللي هيحتاج كل مجهودك وهيفضل مكمل من بعدك هو اللي هتسيبه في ابنك أو بنتك والناس هتشوفه فيهم.. بناء شخصية أي ابن أساسه الأب اللي يكون صديق له، وبناء شخصية أي بنت أساسه الأب اللي يكون سند وحماية ليها واللي بيحقق لها التوازن النفسي عشان تتقبل ذاتها.. الحياة بدون أب أفضل من الحياة مع أب ساكت بيقفل ودانه قبل ما أولاده يفتحوا بوقهم، أو مع أب قاسي وبسبب قسوته بيجبر أولاده يدوروا على الحنية عند غيره، أو مع أب فاكر إن كل دوره فلوس وبس لما تخلص ينتهي وجوده بالنسبالهم.