"الوثائقية" بألف رجل!
أعطني وعيا أمنحك قدرا هائلا من الفلاح، أمنحك أمة تصل إلى ضفاف الغد محملة بالكبرياء، أمنحك دولة تتشعب بين العالمين نجاحا وتأثيرا وحظوة.. لكن - أعلم ذلك جيدا - معركة الوعي ليست هينة وصراع إيصال المعلومة الدقيقة ليس بسيطا متلطفا، ليصبح وضع لبنات دعم الوعي المصري أولوية قصوى، اضطلعت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بإدارة مجموعة كبرى من المنصات الإعلامية التي تصارع من أجل بناء الإنسان الواعي المثقف ليقف بعقله وشخصيته وحريته أمام «ألف رجل» ممن يعدون.
الجماعات المتطرفة على اختلاف مشاربها لها آلاف الرجال في الداخل والخارج يحاولون عرقلة الحلم، عبر عرقلة الوعي، أو على أقل تقدير، اقتياد ذلك الحلم إلى غابة موحشة من القلاقل والشائعات والبلبلة والتخبط، ولعل آخر لبنات المواجهة كانت القناة الوثائقية، الأولى من نوعها في تاريخ الإعلام المصري، لتقدم للملايين في الشرق والغرب «القصة كاملة»، لمن آمن ومن كذب، حتى إذا كان الدليل مساقا بصدق وجِد استوعبته قلوب كل المحبين والموضوعيين والمثقفين والباحثين، بينما أنكرته قلوب الأعداء وحدهم.
للوثائقية رجال كذلك سابقوا الزمن خلال الفترة الماضية لوضع اللمسات النهائية للانطلاق، لم يتململ منهم رجل أمام الصناعة الصعبة، الصناعة التي تحمل محتوى أشد تعقيدا وجهدا، لتخرج الفكرة إلى النور مشعة فتخبو أمامها الأضواء، متعددة الخيوط متنوعة المسارات شافية الإمتاع كلوحة متكاملة تقدم الإجابات إلى المشاهد وتضع أمامه متعة المطالعة والترقب.
الوثائقية لم تبدأ من عدم، بل سبقتها تجارب ومحاولات، وجهود وأقلام وعقول، بأفكار تهزم «ألف رجل» من المغرضين، مهما حاولوا أو صنعوا.. تجارب بوحدة للأفلام الوثائقية في 2017، والتي استطاعت في 5 سنوات، إنتاج وصناعة قرابة 50 فيلمًا وثائقيًا في مجالات متنوعة، ليخرج القرار المجيد من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في ديسمبر الماضي بتدشين قطاع الإنتاج الوثائقي وإطلاق أول قناة وثائقية مصرية.
وضعت الوثائقية قدميها في بحر لجي، لكنها تحمل في جعبتها ما يريده الناجي العائد للحياة بعد مواجهة الغرق، وما يحتاجه المتنزه على الشاطئ المستظل بالمعرفة اللينة، كل ذلك في ظل منافسة إقليمية وعالمية كبيرة في هذه الصناعة التي تحتاج إلى أعلى درجات الدأب والحرص والدقة، للجمع بين المعرفة التي لا غنى عنها، والإمتاع الذي لا بد منه.
ولعل هذا المزج بين المعرفة والإمتاع، كان مليئا بالدهشة، مع إطلاق الشاشة بالأمس، بفيلم أدهم الشرقاوي، والذي يكشف تفاصيل حياته عبر آراء أقاربه، الذين تحدثوا عن أنه كان مناضلا ضد الاحتلال الإنجليزي، بينما رأى آخرون أنه كان يقطع الطرقات ويقتل الأبرياء ويفرض الإتاوات وأنه لا ينزلق من أرضية وطنية، بل كان يقتل من أجل القتل.
لتأتي بعد الفيلم جولة التوثيق والتقصي بحوار شائق ومتمكن ومنضبط أجراه الإعلامي أحمد الدريني، رئيس قطاع الإنتاج الوثائقي، مع أمير الحدود السورية في «داعش» الذى يحمل ثلاثة أسماء، وهي: رشيد المصري «الاسم التنظيمي»، وفهمي الأسود «الهوية الملفقة»، وهيثم عبدالحميد «الاسم الحقيقي»، لتمثل الوثائقية في رأيي وجهة عربية ماتعة تحمل الهوية والأصالة والجد، ومرآة للعالم تحمل الحقيقة والموثوقية.