المفتي لطلاب جامعة القاهرة: لا تتركوا أنفسكم فريسة للمعلومات المضللة
قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم إنَّ المتصدِّر للفتوى عليه أن يعمل وَفق عناصر ثلاثة.
جاء هذا خلال محاضرته بجامعة القاهرة تحت عنوان: الوسطية والخطاب الديني بين الثابت والمتغير، التي حاضر فيها أيضًا الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت -رئيس جامعة القاهرة.
وأوضح: العنصر الأول هو إدراك النصوص الشرعية إدراكًا صحيحًا، وفهم المقصود منها، والعنصر الثاني إدراك الواقع بمتغيراته ومراعاة سياقاته والتطورات الحاصلة فيه، ثم يأتي العنصر الثالث وهو إنزال فهم النصوص الشرعية على الواقع والوصول إلى الحكم في المسألة.
اللجوء إلى المتخصصين والعلماء لفهم مسألة معينة
واستشهد - بمسألة تسعير السلع، موضحًا أنَّ الأصل في التجارة أن نتركها حسب العرض والطلب ما دام أنه لا يوجد احتكار، ولكن عندما تجد الدولة حالات معينة يستغل فيها التجار حاجات الناس؛ فيجوز لها أن تسعِّر للسلع بحيث لا تكون ظالمة للبائع أو المشتري.
وتابع المفتي محاضرته بقوله: إنه يجب اللجوء إلى المتخصصين والعلماء عندما نريد أن نفهم مسألةً معينة، بل أحيانًا نذهب إلى صاحب التخصص الأدق، ونحن في دار الإفتاء المصرية كثيرًا ما نرجع إلى أهل الاختصاص عند إصدار الفتاوى، ومنها مسألة الصوم وقت جائحة كورونا، وقد جلسنا مع لجنة طبية متنوعة من تخصصات طبية مختلفة وتناقشنا إلى أن انتهينا أنه لا خوف على الجسد إذا صام الإنسان، بل على العكس الصوم يقوي المناعة، إلَّا في حالة الأعذار الطبية المشروعة؛ فأصدرنا الفتوى بذلك.
كما أشار أيضًا إلى لجوء الدار لمتخصصين عند إصدار الفتوى الخاصة بالتعامل بالعملة المشفرة البتكوين حيث استعانت الدار بعدد من الخبراء وأهل الاختصاص وعلماء الاقتصاد في عدة اجتماعات من أجل التوصل إلى حقيقة هذه المسألة ومدى تأثيرها على الاقتصاد، وانتهت الدار إلى أنه لا يجوز شرعًا تداول عملة "البتكوين" لعدمِ اعتبارِها وسيطًا مقبولًا للتبادلِ من الجهاتِ المخُتصَّةِ، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ والغشِّ.
ووجَّه المفتي نصيحة لطلاب الجامعة أكَّد فيها ضرورة اللجوء لأهل الاختصاص في كافة المسائل قائلًا: لا تتركوا أنفسكم فريسة لهذه المعلومات التي قد تلقى عليكم من غير المتخصصين، فالجامعة تنمي العقل وتحرك ملكة النقد.
وخلال المحاضرة، أكَّد مفتي الجمهورية، أن الثابت يمثل نسبة قليلة جدًّا من الشريعة الإسلامية مقارنةً بالكثير من قواعد الإيمان التي وردت في حديث جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماهية الإسلام والإيمان.
وأضاف أنَّ هناك ستةَ أركان للإيمان لا تتغير، وأنَّ قضايا الإيمان اليقينية من الثوابت، وكذلك العبادات والفرائض كالصلاة والصيام والحج والزكاة، فلا يمكن أن يأتي شخص ويلغيها في أي زمان أو مكان، موضحًا أنَّ الأخلاق كذلك ثابتة لا تتغيَّر فهي خلق فطري تغذيه الأديان، كما أنَّ المتغير في الشريعة الإسلامية يحتلُّ مساحةً واسعة وقابلة للتطور بتطور الزمان والمكان والأحوال والأشخاص.
وواصل المفتي موضحًا أن هناك تطورًا للنظرة الفقهية للأحكام المتغيرة يكون وفقًا لتطورات العصر والزمان، فالفقيه الفاهم للشريعة لا يقف مقيَّدَ اليد متقوقعًا في الزمن الماضي، ولكن عليه أن ينظر نظرة أخرى إلى الأمور تتوافق مع الواقع، مشيرًا إلى أننا تعلَّمنا وتوارثنا في الأزهر الشريف أنه ينبغي أن نفهم النص الشرعي ودلالاته، وهل هو يتكلم في منطقة ثابتة أم متغيرة، ثم نسأل المتخصصين في العلوم الأخرى التي قد نحتاج إليها، فلا يمكن أن ننقل الثابت إلى دائرة المتغير ولا المتغير إلى منطقة الثابت.
وضرب مثالًا بما يُثار مع قدوم شهر رمضان فيما يسمَّى بفتاوى المواسم، مثل إخراج زكاة الفطر قيمة أم حبوبًا، مشيرًا إلى أنها من الأمور المتغيرة التي يجب ألَّا نضيِّق فيها على الناس، ومن الخطأ المنهجي أن ننقل المتغير إلى دائرة الثابت فنجعل الأمور المجتهد فيها بمنزلة الثابت الذي لا يجوز الاجتهاد فيه، وبالتالي مَن يفعل ذلك يدخل في المخالفة الشرعية.