رجل الصلاة
في عام 1902 كانت مصر على موعد مع ميلاد رجل من طراز فريد، سواء على المستوى الديني المسيحي، أو على المستوى الوطني، وهو البطريرك العظيم ورجل الصلاة البابا كيرلس السادس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية السادس عشر بعد المائة من خلفاء مارمرقس الرسول كارز ديارنا المصرية.
وأنا أقول رجل من طراز فريد كونه لم يتخلى يومًا عن كونه راهبًا حتى وهو بطريرك للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكان زاهدًا في كل مظاهر حياته، وكان بابه مفتوحًا للكل وقريباُ على مسافة واحدة من الجميع، وكانت صلاته نارية بالفعل من أجل كل شعبه ومن أجل كل من يطرق بابه متعشمًا فيه.
على الصعيد الآخر، لا ينكر أحد صداقته بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وكانت لهم مواقف عديدة جمعتهم سويًا، حتى إن الموساد الإسرائيلي حاول في الستينات من القرن الماضي إشعال نيران الوشاية عند الزعيم الراحل بخصوص صديقه البابا كيرلس عندما نشر خطاب مزور كأنه رسالة من البابا كيرلس إلى بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، ولكن سرعانًا ما انطفئت النيران وكشفت الحقيقة.
والعجيب أن من قام بتزوير ذلك الخطاب هو كان راهب يدعى أرمانيوس الأنطوني، والعجيبة أنه عندما كشفت فعلته وتم طرده، ولكن عندما استعطف قداسة البابا كيرلس ليعود للرهبنة رغم كل المشاكل والصعاب التي كان سببها عندما كان يخدم في القدس، أو حتى عندما زور خطابًا كان سيكون سببًا في خلاف كبير بين الزعيم الراحل والبابا كيرلس، إلا أنه سامحه وأعاده للرهبنة لكنه لم يتوقف عن المشاكل والأخطاء!
وربما ارتبط اسم البابا كيرلس برجل الصلاة كونه كان يرى دائمًا أن المشاكل تحل عندما تترك على الله سواء في الصلاة أو على المذبح في القداس الإلهي، والأعجب من ذلك، أن هناك الكثير من الناس والإكليروس كانوا يرون أنه غير جديرًا لأن يكون خليفة لمارمرقس الرسول، بل أن أحد الأساقفة كان قرر أن يجمع توقيعات ليشلحوه من منصبه، ولكن صلاته انتصرت في النهاية وظل على كرسيه وظل أبًا حتى بعد مماته لكثيرين، وشفيعًا لأقباط مصر كلهم.
ففي التاسع من مارس، نحن لا نحيي ذكرى موته، بل ذكرى انتقاله من متاعب العالم الفاني، للعالم السمائي، ومن الصلاة من أجلنا وهو بيننا على الأرض، إلى الصلاة من أجلنا من أمام العرش الإلهي ونثق أن الله يسمع صلاته من أجلنا، ونطلب أن تشملنا بركته وأن يصلي من أجلنا في كل حين، ليعينا الرب كما أعانه.