أمين البحوث الإسلامية: الإمام الماتريدي أثرى المكتبة العربية والإسلامية بنتاج علمي متنوع ومتميز
ألقى الدكتور نظير محمد عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، كلمة في حفل تكريم الفائزين في المسابقة البحثية التي عقدها المجمع لباحثي مؤسسة الأزهر الشريف، بعنوان: تراث الإمام الماتريدي.
كلمة أمين البحوث الإسلامية في حفل تكريم الفائزين بمسابقة تراث الإمام الماتريدي اليوم
وقال أمين البحوث الإسلامية: لقد زخر الفكر الإسلامي بالعديد من الشخصيات المهمة التي أثرت في الفكر الإنساني بشكل عام وأثَّرت في الحضارة الإسلامية بشكل خاص، ومن أبرز هؤلاء ذلكم الإمام المعروف بإمام الهدى إمام أهل السنة والجماعة، الإمام أبو منصور الماتريدي، هذه الشخصية التي عرفت في الأوساط العلمية بفضلها وعظم قدرها والمعروف بعبقري زمانه، ونادرة عصره، والمتقن لفنه، الماهر بصنعته، الحاذق للحكمة، فقد كان عبقريًا مبدعًا، عرف متكلمًا وفقيهًا وأصوليًا وفلسفيًا ومفسرًا ومتصوفًا، ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري.
وأضاف أمين البحوث الإسلامية: ليس هذا فحسب بل كان رائدًا في عطائه الفكري ونتاجه العلمي يدل على ذلك كتبه ومصنفاته، فكتابه التوحيد خير شاهد على ذلك، إذ ينظر إليه على أنه عمدة في بابه وأنه يمثل مصدرًا رئيسًا لدى أهل السنة والجماعة، كما أن كتابه تأويلات أهل السنة من أوائل الكتب الموسوعية التي ضمت علومًا عدة وفنونا مختلفة ومتنوعة تمثل ركيزة أساسية في الإسهام الحضاري للإنسانية جمعاء بشكل عام والإسهام الحضاري بشكل خاص، أما كتاب المقالات فيعد أصلا من أصول هذا الفن، كما أنه يعود إليه الفضل الأول في تأسيس علم المنطق، والذي نبغ فيه نبوغًا عظيمًا.
وواصل: أما كتابيه في أصول الفقه الجدل ومآخذ التشريع فقد بذّ بهما جميع أهل الإسلام وأتى عليهم في التحقق به فشرح الغامض، وأزال المبهم وقرب البعيد، ويسر المعضلات، وأبان المشكلات، وفسر الألفاظ والمصطلحات، مضيفا: وبالجملة فقد اهتم الإمام الماتريدي بعلم الأصول وأولاه موفور العناية واستوعبه تمام الاستيعاب بفكر ثاقب وعقل مستنير ومنهجية قل أن يجود الزمان بمثلها إذ رأى فيه الوسيلة التي يمكن بواسطتها القضاء على الفوضى الفكرية التي سادت عصره وسيطرت على بعض أهل زمانه ومن هنا حرص على توضيح وظيفة هذا المنطق ودوره في المجتمع، ونظرًا لكل هذا فقد أقر له الجميع بالفضل واعترفوا بالمكانة، من هؤلاء الإمام ابن حجر الهيتمي فقال: المراد بالسنة ما عليه إماما أهل السنة والجماعة الشيخ أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي.
وأكمل أمين البحوث الإسلامية: وقال عنه الشيخ طاش كبرى زادة: ثم اعلم أن رئيس أهل السنة والجماعة رجلان أحدهما حنفي والآخر شافعي، أما الحنفي فهو أبو منصور الماتريدي إمام الهدى، وأما الآخر الشافعي فهو شيخ السنة ورئيس الجماعة إمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين أبو الحسن الأشعري، مردفا: ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن هناك من تحدث قائلا وهو العلامة الكوثري فقال: الأشعري والماتريدي هما إماما أهل السنة والجماعة في مشارق الأرض ومغاربها لهم كتب لا تحصى، وقال عنه الشيخ أبو الحسن الندوي: جهبذ من جاهبزة الفكر الإنساني امتاز بالذكاء والنبوغ وحذقه الفنون العلمية المختلفة.
أمين البحوث الإسلامية: الإمام الماتريدي أثرى المكتبة العربية والإسلامية بنتاجٍ علمي متنوع ومتميز
واستطرد: إن الحديث في هذا اللقاء عن هذه الشخصية لهو من باب الوفاء لأسلافنا والاعتراف بجميلهم على الحضارة الإنسانية بشكل عام والحضارة الإسلامية بشكل خاص، وانعقاده في هذا الوقت وفي هذه المؤسسة وبالتعاون مع مركز الإمام الماتريدي في أوزبكستان لهو استجابة لواقع يدفع بنا إلى ضرورة الكشف عن أعلامنا ومصادر عزنا.
وأردف: لقد أثرى الإمام أبو منصور الماتريدي المكتبة العربية والإسلامية بنتاجٍ علميٍّ متنوعٍ ومتميزٍ، يكشف عن شخصيةٍ حكيمة، وقلمٍ متمكِّنٍ، وعقلٍ حُرٍّ؛ فهو فيلسوفٌ واسع الأفق، وعالمٌ متنوع المعارف، ومفكرٌ يقدر الأمور قدرها؛ ومن ثَمَّ كان التعريف به ولفت الأنظار إليه في هذا الوقت ضرورةً حياتيةً وأخلاقية ودينية، خصوصًا وأن التعريف بأهل العلم والفضل كان ـ ولا يزال ـ دأب الأمم الراقية، وطريق الشعوب المتقدمة عبر العصور والبيئات؛ وذلك نظرًا لمقتضياته الأخلاقية من جهة، ثُمَّ لأبعاده المعرفية والنهضوية والحضارية من جهة أخرى.
وأوضح أن التعريف بالعلماء والوقوف على سيرهم ومسارهم؛ يسهم في البناء الحضاري، ويدفع إلى التشييد العمراني، ويأخذ بأيدي أممهم وشعوبهم إلى النهضة، والتجديد والريادة والتقدم؛ ولذا فإن واجب الوفاء والإنصاف لمن قامت بهم ومن خلالهم نهضة الأمم وتقدم الشعوب؛ التعريف بهم ونقل أخبارهم، ونشر مؤلفاتهم وتسليط الضوء على إسهاماتهم، والتوقف أمام إبداعهم، والاستفادة من خبراتهم، والدعوة إلى التحلي بسلوكهم، وتعريف الأجيال بجهودهم، وكل ذلك إبقاءً لآثارهم، واعترافًا بفضلهم وتخليدًا لذكراهم، فهم بناة الأمة وصناع النهضة، وباب المجد والعزة؛ مما يعني أن الترجمة لهؤلاء الأعلام عملٌ حتميٌّ بالنسبة للأمم والشعوب؛ فهو يصون الأخبار، ويحفظ الوقائع، ويسجل الأحداث، ويشهد على الجهود مما يمكن من معرفة الإيجابيات والسلبيات ومكامن القوة والضعف، والتمدد والانحسار والتوهج والركود، والتقدم والرجوح؛ مما يساعد على الوقوف على الداء والدواء.
وتابع: رَحِمَ اللهُ الفيلسوفَ الفقيه الأصولي المتكلم إمام الهدى، الذي أَثْرَى حضارتَنَا، وحضارةَ غَيْرِنَا بالآراء السديدة، ونظريات علمية ومتقنة التي سبق بها عصره، فضلًا عَنْ تَفَرُّدِهِ بالعديدِ من الرؤى الفكرية، والنواحي المعرفيةِ. كُلُّ هذا وغَيْرُهُ يَدْفَعُنَا إلى ضرورةِ العملِ على تكريمِهِ بإحياءِ ذِكْرِهِ، والسَّعْيِ إلى الكشفِ عن الغامضِ المُتَوَارِي منْ فِكْرِهِ وفلسفتِهِ، لهذا كانت هذه المسابقة التي دارت حول تراث الإمام الماتريدي وفكره وما يمكن أن يؤديه في واقع الحياة المعاش، وكانت هذه المسابقة بين الأزهر الشريف ممثلا في مجمع البحوث الإسلام، ومركز الإمام الماتريدي في أوزبكستان إيمانًا منهما بأن ذلك من باب الوفاء لديننا ولعلمائنا ولحضارتنا، كما أن واجب الوقت والظرف والحدث يحتم علينا ذلك.