مفتي الجمهورية: نسعى لتمكين المرأة من الإفتاء.. ورأيي في الإعدام غير مُلزم للمحكمة | حوار
- التطبيق القضائي يقول بأن الطلاق الشفوي يقع.. ونحتاج لتعديل تشريعي لتغيير هذا الأمر
- لسنا جهة وصاية على المأذونين.. وهناك قوانين يخضعون لها
- النسيج المجتمعي المصري لم يميز بين مواطن وآخر في منظومة تحقق العيش المشترك
- عقوبة الإعدام في القانون المصري أُحيطت بضمانات كثيرة جدًّا
- نؤكد دومًا أن القضاء المصري مستقل ونزيه
- لا يخرج أي تقرير أو ورقة خاصة بقضايا الإعدام خارج مقر دار الإفتاء
- لا نأبه لأية حملات مغرضة ولا نلتفت إلا إلى الإنسانية.. ونفتخر بوقوفنا في صف الوطن
- كثرة الأسئلة الواردة إلينا في دار الإفتاء تؤكد عودة ثقة الناس بالمؤسسات الدينية الرسمية
- معايير اختيار الباحثين داخل دار الإفتاء يعتمد على العلم والكفاءة دون النظر لنوعه رجلًا أو امرأة
- ربما أستضيف أطراف واقعة الطلاق في مكتبي للتأكد من وقوع الطلاق أو لإيجاد حل
اكتظت الساحة الاجتماعية في مصر خلال الآونة الأخيرة بالعديد من الأحداث والقضايا التي التهمت غالب أوقات المواطنين، وشغلت الرأي العام المصري؛ نظرًا لامتداد تأثيرها إلى الجميع.
ولأن الشعب المصري متدين بطبعه كما يُطلق عليه، يبحث عن الأحكام الشرعية في كل ما يخص حياته اليومية، والتزاما منّا بدورنا التوعوي تجاه الجمهور، التقى القاهرة 24، الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، في حوار مطول، للحديث عن أغلب ما جرى على الصعيد المجتمعي خلال الأشهر الماضية، من منظور شرعي، وجاء نص الحوار كما يلي:
- ما قولك في المسيحيين الذين يحتفلون بشهر رمضان المبارك ويقيمون الموائد والعزومات لجيرانهم المسلمين؟
التجربة التاريخية المصرية أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن المصريين جميعًا يعيشون في أخوة وتعاون وتكامل، وفي عمق التاريخ تظهر الفتاوى المصرية القديمة، وكذلك فتاوى دار الإفتاء وغيرها حريصة أشد الحرص على تعزيز هذه العلاقات الطيبة بين المصريين جميعًا، كما أن النسيج المجتمعي المصري لم يميز بين مواطن وآخر، في منظومة متناغمة تحقق العيش المشترك الذي تحيطه المحبة والتسامح والسلام.
وقد تم تتويج هذا التاريخ الطويل بافتتاح مسجد الفتاح العليم وكنيسة ميلاد المسيح في نفس اليوم وبحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي رسالة واضحة على أن المصريين جميعًا على قلب رجل واحد، وأن الرئيس لكل المصريين، وهذا واضح وملموس في حصول جميع أطياف المجتمع على الحياة الكريمة بكافة جوانبها، ومن أجل مكافحة الفقر والجهل والمرض.
- ماذا تقول في مسألة وقوع الطلاق الشفهي خاصة مع تسببه في ارتفاع نسبة الانفصال في مصر خلال السنوات الماضية؟
التطبيق القضائي يقول بأن الطلاق الشفوي يقع إذا تحقق ذلك وثبت لدى القاضي بدليل من أدلة الإثبات، فإنه هنا يقضي بوقوع الطلاق، فنحن أمام قانون يلزم القضاء بالتحقيق في المسألة ولا يوقف وقوع الطلاق على أن يوثق، ولتغيير هذا الأمر نحتاج إلى تعديل تشريعي، حيث يقوم مجلس النواب بالتحقق من المصالح والمفاسد المترتبة على الأمر، وهذا يحتاج أيضًا إلى تدخل علماء الاجتماع ومراكز الأبحاث وعلماء الشريعة للإدلاء بدلوهم في هذه الظاهرة وإيجاد حلول لها.
- كيف تتعامل دار الإفتاء مع المأذونين باعتبارهم أحد أسباب زيادة حالات الطلاق؛ نظرًا لتسجيله دون تثبت، وما هي جهود الدار في تطهير هذه المهنة من منتحليها؟
لسنا جهة وصاية على المأذونين؛ فهناك قوانين يخضعون لها، واستهدف برنامج تدريب المأذونين الذي تم بالتعاون والتنسيق مع وزارة العدل تدريب كل المأذونين على مستوى الدولة على مبادئ وأحكام وأسس تساعد على الحفاظ على كيان الأسرة المصري، وعلى كيفية التعامل مع الزوج والزوجة الراغبين في الطلاق الموثق، بعد ارتفاع نسب الطلاق، وإن للبرنامج أهدافًا عديدة، من أهمها تنمية مهارات المأذونين في التحقيق مع المطلِّق وفي تحديد عدد الطلقات قبل إثباته في الوثيقة الرسمية، وكذلك ضمان توثيق الطلاق في القصد الصحيح للزوجين.
- ما هي الخطوات التي تتبعها عند إصدار الرأي الشرعي بشأن تأييد الحكم بالإعدام أو رفضه؟ وما الوقت المستغرق في دراسة هذه القضايا؟
رأي المفتي في التصديق على قضايا الإعدام يبقى استشاريا غير ملزم لهيئة المحكمة؛ لأن المفتي يطَّلع فقط على أوراق القضية ولم تتح له حضور التحقيقات والملابسات الخاصة بالقضايا، وتتم مراجعة القضايا الخاصة بقضايا الإعدام مرات ومرات لإبداء الرأي الشرعي، وبعد ذلك تتم كتابة تقرير لعدالة المحكمة، كما أن عقوبة الإعدام في القانون المصري أُحيطت بضمانات كثيرة جدًّا لم نعهدها في أي قانون آخر.
- هل رفض مفتي الجمهورية تأييد حكم الإعدام مسبقًا بعد دراسة أي قضية؟ وما حيثيات ذلك؟
نقوم بفحص الملف المحال إلينا من محكمة الجنايات، وندرس أوراق القضية منذ بدايتها، فإذا وجدنا فيها دليلًا شرعيًا ينتهي حتمًا ودون شك بالمتهم إلى الإعدام وفقا للشريعة الإسلامية فإنه يفتي بما قامت عليه الأدلة، أما إذا خرج ما تحمله الأوراق عن هذا النطاق، كان الإعمال للحديث الوارد مرفوعا عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، والذي صار قاعدة فقهية في قضايا الجنايات لدي فقهاء المسلمين: لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة؛ فوجب التحقيق من واقع الجريمة وتكييفها وقيام الدليل الشرعي على اقتراف المتهم إياها حتى يقتص منه.
ونؤكد أنه لا يخرج أي تقرير أو أي ورقة خاصة بالقضية خارج مقر دار الإفتاء، نظرا للسرية التامة المحاطة بقضايا الإعدام، ويتم تسليمه للمحكمة في سرية تامة قبل النطق بالحكم، وهو في نهاية المطاف رأي استشاري غير ملزم لهيئة المحكمة.
وقرار الإعدام الذي يصدره القاضي هو خطوة أولى لعملية قانونية طويلة، ولجميع المتهمين حق الطعن في قرار المحكمة الأصلي في محكمة أخرى هي محكمة النقض، مع ضمان حق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم.
ونؤكد دومًا أن القضاء المصري مستقل ونزيه ويقوم بمهمة رئيسية هي تطبيق العدالة لكل مواطن دون النظر إلى جنسه أو انتمائه أو وظيفته أو ديانته، ولكن ينظر إليه فقط وفقًا للعدالة المجردة، مع توفير الضمانات القانونية للمتهم، وهذا هو الهدف الأسمى للقضاء المصري.
- كيف ترد على وصف مشايخ المؤسسات الرسمية الدينية بـ مشايخ السلطان؟
الجماعات الإرهابية والمتطرفة تسعى إلى هدم المرجعيات الدينية والمؤسسات المعتمدة وإنشاء كيانات موازية للدولة في مختلف المجالات، ويصفون من يخالف منهجهم بـ علماء السلطان، وهم أول من أطلقوا هذا المصطلح على من يخالفهم بغرض سياسي وهو تشويه العلماء وعدم إنصافهم، فنحن لا نأبه لأية حملات مغرضة ولا نلتفت إلا إلى الإنسانية ونفتخر بوقوفنا في صف الوطن.
- نلاحظ زيادة عدد الفتاوى التي تصدرها دار الإفتاء سنويًا داخل وخارج مصر، فما السبب؟
كثرة الأسئلة الواردة إلينا في دار الإفتاء المصرية ليست ظاهرة سلبية، بل لها جوانب إيجابية كعودة ثقة الناس بالمؤسسات الدينية الرسمية، وضبط الفتوى -بفضل جهود دار الإفتاء- بعد ما تَمَّ استردادها من الجماعات المتشددة التي أثرت على الناس لفترة من الزمن ونفَّرت الناسَ ظلمًا وبهتانًا من المؤسسات الرسمية الدينية.
- ذكرتَ مسبقًا أنك تضطر أحيانا للجلوس بين الأزواج بنفسك للفصل في أمر طلاقهما، فما هي الخطوات التي تتبعها في هذا الفصل؟ وما أكثر الحالات التي أثرت فيك وتذكرها جيدا؟
التعامل مع حالات الطلاق داخل دار الإفتاء المصرية يتم وَفق طريقة منظمة ومنضبطة تمر بثلاث مراحل؛ تبدأ بتعامل أمين الفتوى معها، فإذا لم يتيسَّر الحلُّ للسادة أمناء الفتوى بوجود شكٍّ في وقوعه، فإنها تُحال على لجنة مختصة مكونة من ثلاثة علماء؛ فإذا كانت هناك شبهة في وقوع الطلاق، فإنها تحال عليّ شخصيًّا، وربما أستضيف أطراف واقعة الطلاق في مكتبي للتأكد من وقوع الطلاق أو لإيجاد حل، وهذا من باب المحافظة على الأسرة التي هي نواة المجتمع، وهناك حالات كثيرة أثرت فيّ لشدة حرص كافة الأطراف على لم الشمل والرغبة في الحفاظ على كيان واستقرار الأسرة، دون ذِكر تفاصيل دقيقة عن هذه الحالات حفاظًا على أسرار وخصوصيات أصحابها.
- ما خطة الدار بشأن تمكين المرأة من الإفتاء؟ وما معيار اخيتار أمناء الفتوى من السيدات؟ وما دورهم بعد الاختيار؟
هذا الاختيار جاء تأكيدًا على أهمية دور المرأة والعمل على تمكينها ومنحها الفرص وفقًا لكفاءتها، فالمرأة شريك أساسي في تحقيق البناء والتنمية في الدولة، وأن دورها في العمل والبناء والقيادة لا يمكن لأحد أن ينكره، كما أن الشريعة الإسلامية تحتفي بالمرأة وتمنحها كافة حقوقها المشروعة.
ونحن نريد إنسانًا متسلحًا بالعلم والمعرفة، مدركًا لواقعه ومجتمعه، وممارسًا لحقوقه السياسية، سواء كان رجلًا أو امرأة، لنكون حينئذٍ أمام وعي حقيقي متكامل.
وهناك مؤشرات كثيرة تدل على أن المجتمع يتجه نحو الرقي والتقدم، منها ما هو ملاحظ وظاهر في تزايد نسبة حضور المرأة في العمل التشريعي والوظيفة العامة الآن مقارنة بسنوات سابقة، بل نجد أن الدولة ترسِّخ أقدامها في هذا الإطار بالاعتماد على الكفاءة بغض النظر عن كون الكفء الذي يتولى الوظيفة رجلًا أو امرأة.
كما أن معايير اختيار الباحثين في المجال الشرعي أو الإعلامي داخل دار الإفتاء المصرية يعتمد على العلم والكفاءة بغض النظر عن صفته رجلًا أو امرأة، بل ازداد عدد السيدات الباحثات داخل الدار في السنوات الماضية؛ مما يبرهن على أن المرأة قادرة على أن تعطي في هذا المجال ما دامت امتلكت أدواته وقدراته.