الصحبة الطيبة
لو أن إنسانًا أراد أن يقوم برحلة طويلة تستغرق ثلاثين يوما، فمن الحماقة أن يبدأ رحلته دون أن يعد لها عدتها، حتى يتمكن من الوصول إلى غاية رحلته، ويحقق هدفه الذى يسعى إليه، وهذا واقع الحياة، ونوضح ذلك بمثال: إذا أراد إنسان أن يسافر بسيارته لمسافة طويلة تستغرق وقتا طويلا، وظل منتظرا حتى جاء وقت السفر، فانطلق بسيارته دون أن يقوم بصيانتها أو يتأكد من ملء، خزان وقودها، وإعداد ما يلزم لرحلته، فلا عجب إن توقفت السيارة_ لأى عطل أو سبب قبل أن تبلغ نصف الرحلة وربما ثلثها، وهنا يدرك خطأه، ويندم على عاقبة تقصيره في الاستعداد.
وكما أسلفنا من قبل فإن شهر رمضان رحلة، ونحن نبدأ الرحلة وقلوبنا وعقولنا متعلقة بهدف معين نسعى إليه، وهو الوصول إلى تحقيق عبادة يحبها الله ويرضى بها عنا، ولذلك لا بد لها من إعداد يعيننا على إتمامها.
وبعد هذه المقدمة التي طالت نوعا أقول:
إن من أهم ما ينبغي على المسلم أن يعده لهذه الرحلة المباركة: (الصحبة الطيبة) التي تذكره بالله وتعينه على طاعته، وتنافسه في العمل الصالح (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، خاصة في هذا الشهر المبارك شهر رمضان، الذي يدرك فيه شياطين الجن والإنس أن العمل الصالح فيه - بإذن الله متقبل، وأن ثوابه - بفضل الله وكرمه - مضاعف فينشطون لإضاعة هذه الفرصة العظيمة على المسلم، فيمر عليه رمضان كما مر غيره من شهور العام، لا يكتسب فيه العبد خيرا ولا يزداد فيه لله طاعة ولا منه قربة:
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب.. حتى عصى ربه في شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما.. فلا نصيره أيضا شهر عصيان
فابحث أخي الصائم عن صحبة طيبة تأخذ بيدك وتشد من أزرك، وتعينك على العبادة والطاعة، فكم من أناس بدأوا رحلة رمضان وما أكملوها، وبعد أيام من بدايتها تخلفوا عنها لأنهم لم يجدوا صاحبًا مخلصا محبا، فلا ترحل وحدك، والنفس من يتواصوا منك، وتتواصى معهم على العمل الصالح.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.