الأحد 22 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مراجعة ملف مصر أمام اللجنة الأممية المعنية بحقوق الإنسان.. الدروس المستفادة

الجمعة 31/مارس/2023 - 07:57 م

مصر شأنها شأن أغلب دول العالم تخضع لمراجعة ملفها أمام هيئات المعاهدات الخاصة بالاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان. ومصر كدولة إفريقية تتمتع بعضوية جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وتنتمي للجنوب العالمي؛ كان لها دور بارز في صياغة شرعة حقوق الإنسان الدولية المكونة من عدة إعلانات واتفاقيات أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

هذا الدور التاريخي للدولة المصرية يحتم عليها التعاطي بجدية مع الآليات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لاسيما هيئات المعاهدات، ومصر في هذا الصدد عادت لتجدد وتعزز اهتمامها بهذا الأمر من خلال تقديم تقريرها الدوري الخامس للجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان الخاصة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وشهدت سنوات حكم الرئيس السيسي ارتفاعا ملحوظا في التفاعل الإيجابي مع الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان سواء آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان الأممي أو لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضعية المرأة، وكذلك اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. وأخيرًا التفاعل الإيجابي مع لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان. 

مصر حرصت على تقديم تقرير يوثق تنفيذها لالتزاماتها تحت طائلة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقدمت ردودًا وافية أيضا على ما تلقته من أسئلة حيال هذا التقرير من الأطراف الدولية، وقامت بهذه المهمة مؤسسات الدولة المعنية على رأسها وزارة الخارجية واللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان فضلا عن جهات وطنية أخرى. وقد تم استعراض التقرير المصري خلال الدورة ١٣٧ للجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان منذ أسابيع، وخرجت منذ أيام الملاحظات الختامية للجنة على التقرير لتحمل في طياته توصيات حيال أوضاع الحقوق المدنية والسياسية في مصر.

الكثير من الملاحظات الصادرة عن اللجنة الأممية لم تكن متزنة وبها قدر كبير من المعلومات غير الدقيقة التي تعكس بدورها عوار الكثير المصادر المنحازة ضد الحكومة المصرية التي استقت اللجنة منها هذه المزاعم. فمثلا اللجنة انتقدت في ملاحظاتها القانون رقم 149 لسنة 2019 المعني بتنظيم العمل الأهلي وزعمت أنه يضع قيودا على تسجيل وتمويل الجمعيات الأهلية، وهذا منافٍ للحقيقة إذ إن هذا القانون به ضمانات غير مسبوقة لاستقلال المجتمع المدني، وأتى كنتاج لعملية حوار مجتمعي ضمت رموز المجتمع المدني بكافة أطيافه، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان المصرية غير الحكومية. ومن حيث التطبيق فمنذ صدور لائحته التنفيذية تقدمت عشرات الآلاف من الجمعيات لتوفق أوضاعها بنجاح، كما أن حجم المنح الأجنبية والمحلية التي تلقتها العديد من الجمعيات تجاوز 5 مليارات جنيه في عامي 2021 و2022.

وتطرقت الملاحظات أيضا بشكل غير موضوعي لما يسمى بمسألة الهوية الجنسية، متناسيةً أن مثل هذه الأمور لا تقع ضمن اختصاص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بل إن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ليس بها نصوص تضع أي التزام على الدول لتعترف أو تقنن العبث بالهوية الجنسية وتطبيع المثلية، وهي أمور تتعارض مع الخصوصية الثقافية للشعب المصري والكثير من شعوب العالم ولا يجوز محاولة فرضها من خلال الأليات الأممية. 

لم توفق الملاحظات أيضًا في مزاعمها بمنهجية التعذيب، حيث إنه مجرّم بموجب أحكام الدستور ونصوص القانون ومن يرتكب هذه الجريمة من عناصر إنفاذ القانون يخضع للمحاكمة الجنائية أو التأديب الإداري، ووفقا لتقارير رسمية وتقارير عدد من المنظمات الحقوقية جرى محاسبة المئات من رجال الأمن على خلفية سوء المعاملة والتعذيب خلال السنوات الماضية مما ينفي تمامًا مزاعم المنهجية والإفلات من العقاب المذكورة في الملاحظات. وأغفلت اللجنة ذكر تطورات إيجابية متعلقة هامة بالحقوق المدنية والسياسية أهمها عدم تمديد حالة الطوارئ والدعوة لحوار وطني وإعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي وإنشاء مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة المجهزة لتوفير ظروف الاحتجاز الأدمية التي تراعي حقوق السجناء.

كانت هذه نبذة عن العديد من المغالطات الواردة في ملاحظات اللجنة، ولكن على الجانب الآخر شخصت اللجنة عددا من السلبيات الحقيقية التي يجب معالجتها لضمان وجود مناخ عام يعزز قدرة المواطن المصري على ممارسة حقوقه وحرياته الأساسية. فمثلا الملاحظات تعرضت لكثرة الجرائم التي يجوز فيها إصدار عقوبة الإعدام وهذا به بعض الحقيقة ومن الضروري معالجته، والدولة في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أعلنت عن نيتها مراجعة الجرائم التي توقع عنها عقوبة الإعدام، وبالتالي يصبح القيام بهذا الأمر تلبيةً لتوصيات اللجنة، وتنفيذًا لأحد النتائج المستهدفة في الاستراتيجية الوطنية. مسألة أخرى أثارتها الملاحظات هي الاستخدام الموسع للحبس الاحتياطي وطول مدته المبالغ فيها دون تحويل المتهمين للمحاكمة، ويؤثر ذلك سلبًا على منظومة العدالة والحق في الحرية والأمان الشخصي وينافي دعوة الرئيس للعدالة الناجزة مما يتطلب اتخاذ إجراءات تشريعية عاجلة لإيجاد بدائل قانونية وواقعية للحبس الاحتياطي. ومرة أخرى هذه المسألة تم إثارتها في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان التي دعت لإيجاد بدائل للحبس الاحتياطي والمسألة أيضا مطروحة في لجنة حقوق الإنسان والحريات بالحوار الوطني، مما يعني أن الحكومة معترفة بوجود المشكلة ومدركة لأبعادها ولديها النية المعلنة لمعالجتها.

الدولة المصرية عندما تطبق أي إصلاحات لتعزيز وحماية حقوق الإنسان يكون ذلك انطلاقًا من إرادة وذاتية وإيمان حقيقي بحفظ كرامة المواطن وعندما تأتي توصيات دولية لمصر فيما يتعلق بالملف الحقوقي من خلال الآليات الدولية لحقوق الإنسان شأنها شأن جميع دول العالم فلا بأس أن يتم استقبالها بأفق واسع ودراستها بجدية وطرحها للحوار المجتمعي والأخذ بها إن كانت تصب في مصلحة تعزيز حقوق وحرية وكرامة المواطن، وذلك لأن بناء الجمهورية الجديدة وتحقيق التنمية الشاملة لا يكتملان دون مواطن حر كرامته محفوظه وحقوق مصانه. وأرى أننا نسير بخطوات ثابته نحو تحقيق هذه الأهداف وستستمر المسيرة طالما دامت النية وكلي ثقة أنها ستدوم.

تابع مواقعنا