شيخ الأزهر: الضرب بمعنى العقاب أمر محظور في القرآن والسنة
قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهرالشريف، إنه يجب أن نأخذ في الحسبنان أن عقد الزواج في الإسلام عقد ديني مقدس، بسمو بطبيعته الدينية وبأخلاقياته ومسئولياته الإنسانية العليا على كل ما في العقود الأخرى من أبعاد قانونية ومادية لا تتسع بطبيعتها لمثل هذا السمو المرتبط بالحكمة الإلهية المتعالية.
وأضاف شيخ الازهر، في حلقة اليوم من برنامج الإمام الطيب: ويكفي للتدليل على قدسية هذا العقد أن القرآن سماه ميثاقًا غليظًا تأخذه كل زوجة من زوجها، وذلك في قولته تعالى: «وأتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذ منه شيئًا، أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاقًا غليظًا»، ومعنى الميثاق الغليظ أنه ميثاق حق الصحية والاندماج الكامل روحًا وجسدًا بين الزوجين، وإذا كانت صحية 20 يومًا فيما يقولون تكاد تبلغ درجة القرابة، فكيف بما يجري بين الزوجين من طول الاتحاد والامتزاج، ومما يجب التنبغ له ونحن بصدد تقرير قدسية الزواج في الإسلام إنه ورد في القران الكريم من بين ثلاثة مواثيق وصفها الله.
وتابع: هذا الميثاق الذي تأخذه الزوجة على زوجها، والميثاق الذي أخذه الله على أنبيائه ورسله بإبلاغ رسالته والدعوة إلى الدين القيم في قوله تعالى: «وإذ أخذنا من النبين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم ونوح وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا»، ثم الميثاق الذي ضيعه بنو بني إسرائيل في قوله تعالى: «وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا».
وأردف، ومما سبق تتضح لنا القيمة العظمى لحرمة العلاقة بين الزوجة وزوجها، وأن القول بأن القرآن الكريم الذي ارتفع بهذا الرباط المقدس إلى هذا المستوى غير المسبوق وغير الملحوق أيضًا من مستويات الرفعة والسمو الخلقي والإنساني، لا يمكن أن يقال عنه إنه يسمح للزوج إهانته زوجته وإذا نزل نزولا بمنزلتها إلى منزله السوائم والعدماوات، اللهم إلا إذا كان المقصد هو تضليل المسلمين وصرفهم عن هذا النور الذي بين إيديهم، في قوله تعالى: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ»، هذا هو الأمر الأول الذي يتضمنه قوله تعالى وأضربوهن والذي لا يريد الكثيرون حتى من المنتمين إلى الإسلام أن يفهموه فضلًا على أن يفقه معناه ومغزاه.
ضرب الزوجة الناشز ليس حكما عاما وإنما استثناء
وتابع: النشوز كعقاب ليس أمرًا مباحًا بإطلاق كما يريد البعض أن يفهمه وإن ورد بصيغة الأمر، في الآية الكريمة لقوله تعالى واضروبهن، إلا أن الأمرهنا ليس للوجوب ولا للسنية، ولا للندب، ولا للإباحة الإباحة المطلقة وإنما هو لإباحة خاصة مقيدة بقيدين: القيد الأول أن يفهم من كلمة واضربوهن، تعني العلاج وليس الإيذاء والإيلام، القيد الثاني أن يلجأ إليه لتفادي الطلاق والانفصال.
وأردف: وعلينا ألا نغفل لحظة أن الضرب بمعنى العقاب أمر محظور في القران والسنة، وفي سيرته صلى الله عليه وسلم، فالقرآن يأمر المسلمين بعشرة الأزواج بالمعروف، وإمساكهن بإحسان أو تسريحهن بإحسان، وأوامر أخرى يضيق المقام عن سردها، كلها يتنافر أشد التنافر مع القول بالنصيحة بضرب الزوجة، والنبي صلي عليه وسلم قال: لا يفرك أي لا يكره مؤمن مؤمنة أن كره منها خلقا رضي منها آخر.
وتابع: وتقول عنها السيدة عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها، ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة ولا خادمًا: إلا أن يجاهد في سبيل الله، كما تدل سيرته العملية على أنه صلى الله عليه وسلم لم يلوث يده الشريفتين بهذه الجريمة، وهي جريمة ضرب شريك الحياة وقصيم الآمال والآلام، وذلك رغم ما كان يؤلمه بين حين وآخر، من تصرفات بغض زوجاته رضى الله عنهن، ومما لا تخلو من أمثالها أسرة من الأسر ولا بيت من البيوت قديما أو حديثا لا في الشرق ولا في الغرب وجملة القول في هذا الأمر هو أن ضرب الزوجة الناشز ليس حكما عاما وإنما هو استثناء يلجأ إليه لجوء المضطر المكره المؤلم يدفع عنهما هو اشد كرهًا وأقصى ألما وهو في هذا الإطار يشبه رخصة أمل الميتة للمضطر.
واختتم شيخ الأزهر، أن إباحة ضرب الزوجة الناشز إذا كانت استثناءً أصل ممنوع لابد لهذه الإباحة من قيود لهذا الاسنثناء وجودا وعدما من هذه القيود لغير الناشز يحرم ضربها تحريما قاطعا مهما بلغ خلافها مع زوجها، مادام هذا الخلاف لم يبلغ درجة النشاز على الزوج والتحقير من شأنه، ومنها أن عقوبة الناشز رخصة، خاصة بالزوج فقط، فالخاطب لا يجوز له ذلك وكذلك المطلق طلاق بائنًا، ومنها أن تكون نية الزوج معقوده على رجاء الإصلاح فإن ضربها يائسا من إصلاحها أو ضائقًا بها صدره حرم الضرب، إنه ينقلب حالة إلى نوع من الإيذاء الممنوع ومنها استيواء كل من الزوج والزوجة، في وصف النشوز.