الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

محنة دستور 1923 بعد حركة 1952

الخميس 13/أبريل/2023 - 05:44 م

في 19 إبريل المقبل ستمر مائة عام على دستور 1923، ذاك الدستور الذي كان نتيجة كفاح ونضال عظيمة للشعب المصري وزعماء الحركة الوطنية، فلولا الضغط المستمر ما كان تصريح 28 فبراير 1922 الذي بموجبه تم إلغاء الحماية البريطانية على مصر، وخلعت عنها عباءة التبعية للسلطنة العثمانية، وأصبحت دولة مستقلة ذات سيادة.

لذا كان من الضروري وضع دستور جديد للبلاد، لذلك يعتبر دستور 1923 أول دستور حقيقي لمصر يوضح طريقة الحكم ويؤصل العلاقة ما بين الحاكم والمحكومين، ولقد جاءت كثير من المواد تدعم الدولة الحديثة العصرية التي تدعم الحريات مثل الحرية الشخصية وحرية الاعتقاد والفكر والرأي والاجتماعات وحرية الصحافة، ورسخ قواعد الديمقراطية بمنع التمييز والمساوة بين كل المصريين، وسمح بحرية إقامة الشعائر، وإلزامية التعليم المجاني في المرحلة الأولى، وحرية تقليد الوظائف لكل أبناء الوطن، وجعل الأمة مصدر السلطات، وقلص سلطات الملك، وأعطى الهيمنة إلى مجلس الوزراء.

وبما أنه خرج رغما عن أنف الملك فقد سعى عن طريق حكومة إسماعيل صدقي باشا إلى إلغائه ووضع دستور فضفاض يعطي للملك صلاحيات كبيرة سُمي بدستور صدقي أو دستور 1930، وقد ناهض حزب الوفد بقيادة مصطفى النحاس وعموم المصريين الذي خرجوا في مظاهرات عمت القطر المصري كله، ومعهم تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات وعلى مدار سنوات يطالبون بإعادة دستور 1923 حتى رضخ الملك أحمد فؤاد، وعاد دستور 1923 بموجب الأمر الملكي رقم 142 لسنة 1935، وظل معمولًا به حتى كانت حركة الضباط الأحرار، وقيام مجلس قيادة الثورة بإلغائه نهائيًا في 10 ديسمبر 1952.

ويطلق على تلك الفترة من 1923 إلى 1952 درة العهد الليبرالي، وأهم الفترات في تاريخ الأحزاب السياسية، ورأى البعض أن سقوط دستور 1923 هو نهاية العهد الليبرالي ليس في مصر وحدها بل في معظم أنحاء الوطن العربي.

لا شك أنه كان هناك تنافس شديد بين أحزاب تلك الفترة، وصل إلى حد التجريح والخروج عن النقد البناء، فكانوا يمتدحون الديمقراطية والشعب إن وصلوا إلى السلطة، ويصفونه بالجاهل إن خذلهم ولم يخترهم.

فقد كان لطفي السيد زعيم حزب الأمة يقول: إن مصر ليست مؤهلة لحكم ديمقراطي على النسق الأوروبي.

وعبد العزيز باشا فهمي برغم أنه أحد أعضاء لجنة الثلاثين التي وضعت الدستور وصفه بأنه: ثوب فضفاض ويعطي الشعب الجاهل حريات يسيء استخدامها.

أما صدقي باشا الذي ألغى الدستور فقال: إن الشعب قطيع من الخراف تجمعه صافرة وتفرقه عصا.

لذا حارب الوفد والوفديين وكأنه يثأر لنجاحهم أو التفاف الشعب حولهم، وسعى إلى فصلهم من وظائفهم ومطاردتهم لمطالبتهم وتحريضهم للشعب لعودة دستور 1923.

لذا جاء سليمان حافظ بعد نجاح حركة الضباط الأحرار وهو عضو الحزب الوطني القديم وما يضمره في نفسه أيضًا للوفد والوفديين هو صاحب فكرة إلغاء الدستور وأخذ يعدد كثيرًا من الانتقادت منها أنه لا يجيز محاكمة الوزراء وأن محاكمتهم تتم أمام مجلس النواب وبتشكيل لجنة خاصة، حتى تم إلغاء العمل به وإصدار إعلان دستوري من 11 مادة تحتوي على مبادئ دستورية عامة.

وكان يرى رجال يوليو أن الأحزاب هي أساس الفساد، وأن الملك ذاته كان يعبث بالدستور، وكان مطية لأهوائه، وأنها كانت من عوامل الفساد الكبرى ومصدرًا من مصادر الانحلال الأخلاقي والانبطاح لرغبات المستعمر، وأنها لم تقدم شيئًا للشعب المقهور، بينما هم يكتنزون كل المكاسب ويستولون على خيرات البلاد بل ويستعبدون العباد، حتى تم إلغاء الأحزاب السياسية في الفترة الناصرية، وخرجت عدة تجارب مختلفة منها هيئة التحرير، ثم الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي.

وبرغم تشكيلهم لجنة الخمسين لوضع دستور للبلاد ولكنهم لم ترُق لهم فكرة وجود دستور حتى يتم استئصال كل أذرع الفساد وكل المعارضين للثورة، والعمل على تدعيم أركانها واتخذوا من الرضا الشعبي عاملًا مهمًّا من التجرؤ على انتهاء كل الحقوق والحريات بدعوى تأمين الثورة؛ لذا تم تجاهل الدستور الذي أخرجته لجنة الخمسين.

وقد أعلن الرئيس جمال عبد الناصر في خطاب له أن برلمان الثورة سيكون بدون أحزاب وإنما سيتم تشكيله من العمال والفلاحين والطوائف المهنية ليعبر بشكل حقيقي عن الشعب، وأعطى وقتها الحرية لزعماء الاتحاد القومي في استبعاد المعارضين من قوائم الترشح لمجلس الأمة.

وقد ساعد رجال الصحافة الموالين للثورة على إيضاح الفكرة التي يرمي إليها عبد الناصر لذلك انتقد إحسان عبد القدوس الفترة من 1924 إلى 1952 أنها مكنت الرأسمالية والاستعمار من السيطرة على الدولة، واقترح على عبد الناصر أن يكون البرلمان بدون أحزاب، واعتبر ذلك أحد تجارب الديمقراطية الجديدة.

أما موسى صبرى ففضل أن يكون النظام جمهورية رئاسية وليست برلمانية، وأن برلمان بدون أحزاب من المحتمل في المستقبل أن يتحول إلى أحزاب جديدة.

وجلال الدين الحمامصي كان يرى في التجربة البرلمانية الديمقراطية أنها منتهى الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي.

وهاجم مصطفى أمين الأحزاب القديمة وطالب ببرلمان من الأحرار خير من برلمان من العبيد التي تتحكم فيهم الحزبية والرأسمالية والاستعمار.

وهكذا هناك كثير من الأقوال التي دعمت فكرة عدم وجود تيارات حزبية مختلفة الفكر والإيدلوجيات، واستمر الصراع طوال الفترة الناصرية حتى جاء السادات وشكل المنابر السياسية وتلك حكاية أخرى طويلة سيتم سردها لاحقًا في مقال تاريخ الأحزاب السياسية.

ولكن تم غلق ملف دستور 1923 وانتهاء حقبة اعتبرها البعض درة التجارب السياسية.

تابع مواقعنا