للأدب من رمضان نصیب
يأبى رمضان إلا أن يكون له من الأدب شعره ونثره نصیب بنفحاته وذكرياته وانتصاراته، ويأبى إلا أن يكون مضمارا يتسابق فيه أهل الأدب من الشعراء والأدباء مسجلين بروائع كلماتهم وأبياتهم ما تحس به قلوبهم، ولو ذهبنا نستقصى ما دبجه كل شاعر وأديب عن رمضان لضاق المقام، وكما يقول الدكتور محمد فتحي بيومي في كتابه رمضان في الفكر الديني المعاصر: وهناك كم هائل من الكتب والمقالات والأشعار التي دارت كلها حول الصيام وشهر رمضان، مما يمكن أن نطلق عليه الأدب الرمضاني إن جاز التعبير.
وما الشعراء والأدباء إلا جزء من نسيج المجتمع يعبرون بكلماتهم عن الناس، ويصورون ما يحسون به ويشعرون، فعندما يفرح الناس تأتي هذه الكلمات تفيض بشرا وسرورا، تتضاحك مع الناس وتشاركهم أفراحهم، وفي لحظات الحزن تأتي هذه الكلمات عابسة تقطر مرارة وتفيض حزنا، فالحالة النفسية والشعورية للأديب والشاعر انعكاس لحالة المجتمع العامة.
ورمضان شهر فرح وسعادة ومظاهر الرحمة فيه كثيرة، حيث تنفتح أبواب الجنات وخزائن الرحمات، وتعمر المساجد بالركع السجود، وتعلو بالقرآن والتسببح الأصوات.
وقد تبارى الشعراء والأدباء في التهنئة باستقبال رمضان قدموها للخلفاء والأمراء وأهل الفضل، وتحدثوا عن العبادة فيه، ووعظوا الناس بالزهد في الدنيا، والإقبال على الآخرة، يقول ابن عطية الأندلسي:
لا تجعلن رمضان شهر فكاهة
تلهيك فيه عن القبيح فنونه
واعلم بأنك لا تنال قبوله
حتى تكون تصومه وتصونه
ويقول أيضا منبها على صيام الجوارح كلها تحقيقا لجوهر الصيام وأهدافه:
إذا لم يكن في السمع مني تصاون
وفي بصري غض وفي مقولي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظمأ
وإن قلت إني صمت يوما فما صمت
على أننا لم نعدم طائفة من الشعراء والأدباء كان لهم منحى آخر، فقد تبرموا برمضان وأزعجهم قدموه، ورغبوا في سرعة انقضاء أيامه، ورأوا فيه عائقا أمام ملذاتهم وشهواتهم، فها هو الأديب الشاعر بديع الزمان الهمذاني صاحب المقامات، يبعث إلى بعض أصدقائه من أهل همذان برسالة يقول له فيها: كتابي أطال الله بقاءك عن شهر رمضان، عرفنا الله بركة مقدمه، ويمن مختتمه، وخصم بتقصير أيامه، وإتمام صيامه وقيامه، فهو وإن عظمت بركته، ثقيل حركته، وإن جل قدره بعيد قعره، وإن حسن وجهه، فليس يقبح قفاه..
وها هو أمير الشعراء أحمد شوقي ينساق هذا المساق، ويسلك هذا المسلك في استثقال أيام رمضان التي تلجم عن الملذات، فيقول:
رمضان ولى هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى إلى مشتاق
ما كان أطوله على أطرافها
وأقله في طاعة الخلاق
على أنه لما عوتب في ذلك تعلل بأنه من كلام الشعراء، وقد قال الله في شأنهم وأنهم يقولون ما لا يفعلون، وكما يقولون أعذب الشعر أكذبه.
وفي عصور الترف والرفاهية تحدث الشعراء والأدباء عن عادات الناس، ومظاهر احتفالهم برمضان، بل وعما يصنعون فيه من طعام وشراب.
وفي العصر الحديث، نجد أن من أجمل وأبدع وأعذب ماكتب في هذا المقام من وجهة نظرى تلك الكلمات الرائقة الرائعة التي كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي، والتي جاءت معبرة أصدق تعبير عن الصيام وجوهره وأسراره وآثاره، ولعلها تغفر له عند محبيه ما قاله في أبياته السابقة، وتمهد له العذر.
يقول أمير الشعراء: الصوم حرمان مشروع، وتاریب بالجوع، وخشوع الله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة، ويحض على الصدقة، ويكسر الكبر، ويعلم الصبر، ويسن خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع، والجوع كيف ألمه إذا لذع.. كلمات ما نطقها لسان فقط، ولا كتبها إنسان فقط ولكنها ملائكية تتخلل ثنايا الروح، وتغوص في أعماق القلوب، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال إن من البيان لسحرا، ولعمرى فإن هذا هو السحر الحلال.
ومن بستان النثر إلى دوحة الشعر، فقد تغنى الشعراء حديثًا بهذا الشهر المبارك، وفرحوا بقدومه وهنأوا الناس به في أبياتهم وقصائدهم، وذكروه بما له من فضائل ومميزات وما وقع فيه من أحداث وعظات، ونقتطف هذه الأبيات لأديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي، حيث يقول مهنئا ومبشرا بقدوم رمضان:
فديتك زائرًا في كل عام
تحيي بالسلامة والسلام
وتقبل کالغمام يفيض حينا
ويبقى بعده أثر الغمام
ويقول عنه أيضا:
جاء الصيام فجاء الخير أجمعه ترتيل ذكر وتحميد وتسبيح فالنفس تدأب في قول وفي عمل صوم النهار وبالليل التراويح
ويقول الشاعر الأزهري محمد الأسمر رحمه الله:
رعى الله شهر الصيام أما نهاره
فغاف وأما ليله فهو ساهر
وحيا رجالا حين لاح هلاله
مشت بينهم مشي النسيم البشائر
بطان إذا ما الشمس أرخت اقناعها خماص إذا ما أدبرت وهي سافر
خشوعا لمن فوق السماوات عرشه
ويعلم منهم ما تكن السرائر
هو الله فاعبده العبادة كلها
إذا راح يلهو بالعبادة فاجر
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا واجعلنا من عتقائك من النار، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يارب العالمين.