وزير الاستثمار بدولة جنوب السودان يكتب لـ القاهرة 24 عن تداعيات الصراع المسلح في السودان
إنه من السابق لأوان أن نتحدث عن ما يمكن أن تتجه إليه الأمور في السودان خلال الأيام المقبلة، ولكن المؤكد هو أن الذي يحدث الآن من صراع مسلح سيكون له تأثيرات سلبية على جنوب السودان، فجمهورية جنوب السودان تشارك السودان في أشياء كثيرة على رأسها الشريط الحدودي الطويل الذي يربط بين البلدين وتجد على هذا الشريط الحدودي نسبة مقدرة من سكان هذين البلدين، ويشكل هذا الشريط خط الامداد الاقتصادي للبلدين حيث توجد فيه حقول البترول ومزارع الصمغ العربي، وأكبر مشاريع لإنتاج المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية خاصة الماشية.
تعتمد خمس من أصل عشر ولايات بجنوب السودان على سلع وبضائع منتجة في السودان، وأي تداعيات أمنية ستؤثر مباشرة علي مجمل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لمواطن بجنوب السودان.
أيضا يحوي البلدين على عدد غير قليل من لاجئي كليهما، فالسودان يحوي مليون ونصف لاجئ جنوب سوداني في المعسكرات والمدن الرئيسة، وأي حرب ستضاعف العمل على سفارة جوبا بالخرطوم للقيام بمسؤولياتها الأمنية والإنسانية للحفاظ على أرواح وممتلكات هؤلاء اللاجئين خاصة في ظل شيح الإمكانيات الاقتصادية لحكومة جنوب السودان، ومن ناحية أخرى من المرشح أن يزيد عدد اللاجئين السودانيين في جنوب السودان وهو عدد كان في تناقص بعدما بدأت الحكومة السودانية، برنامج العودة الطوعية من معسكرات اللجوء بولاية أعالي النيل إلى مناطقهم بالنيل الأزرق.
وضمن تداعيات هذا الصراع أطلعنا بالأمس السيد وزير المواصلات بجنوب السودان على قرار إغلاق المجال الجوي الأعلى لجنوب السودان، نتيجة لإغلاق الأجواء السودانية لأن السودان يدير المجال الجوي الأعلى لجنوب السودان، وأفادنا المصدر بأن هذا الإغلاق سيستمر مدة أسبوعين مما يسبب المعاناة لمواطني جنوب السودان الذين يعتمدون على الطيران لتسهيل حركتهم من وألي البلاد.
الجدير بالذكر أن إطالة أمد الصراع في السودان يؤثر على ملفات كثير وذات اهتمام مشترك للبلدين، وعلى رأس هذه الملفات، الوضع النهائي لمنطقة أبييي وترسيم الحدود بين البلدين والحريات الأربع والاقتصاد.
كتبنا قبل أسبوعين مقالا أشرنا فيه لمآلات الصراع العسكري العسكري، وفرص التحول الديمقراطي المدني في السودان وقلنا إن هذا الصراع هو صراع بين الجيش والقوي المدنية في السودان، وأن الدعم السريع مستخدم من قبل المدنيين وبعض القوى الخارجية في هذا الصراع، وأن هذا الصراع سيقضي على الأخضر واليابس ويعصف بالسودان ويعرقل فرص التحول الديمقراطي المدني في البلاد، وهو سيناريو يجد الدعم والتأييد من المؤتمر الوطني المنحل، وإن أقصر طريق إلى التحول الديمقراطي المدني الحقيقي هو اعتماد نموذج عام 1964 الذي تكرر في عام 1985، وترك الجيش يقود الفترة الانتقالية ويجري الانتخابات قبل نهاية الفترة الانتقالية، ويعتبر هذا السيناريو الأفضل للانتقال الديمقراطي المدني وتهدئة الأوضاع في السودان، ويجب على الوساطة وضع هذا السيناريو محل اهتمام عند إجراء أي مفاوضات للسلام بين الجيش والدعم السريع وإدخال القوي المدنية في خارطة السلام الجديدة.
الدعم السريع لابد أن يقبل بالاندماج داخل القوات المسلحة خلال الفترة الانتقالية، مثله مثل الحركات الموقعة علي سلام جوبا وهو شرط وجد قبول من كل الأطراف في اتفاقية جوبا لسلام السودان الموقعة في أكتوبر 2020.
ومن ناحية أخرى، يجب أن تلتزم المؤسسة العسكرية وكل الأجهزة الأمنية بالإصلاحات الهيكلية والتنظيمية داخل مؤسساتها، وهو شرط وافق ووقع عليه أيضا أطراف العملية السلمية بجوبا بما في ذلك الجيش السوداني، ومن جانب آخر يجب على الأحزاب والتنظيمات السياسية، أن تنظم نفسها لانتخابات حرة ونزيهة تجري قبل نهاية الفترة الانتقالية دون المشاركة في الفترة الانتقالية، ويكون الشق المدني من الحكومة من أصحاب الكفاءات فقط دون انتماءات حزبية وخاصة من شباب الثورة، ويشترط للمشاركين عدم الدخول في الانتخابات المقبلة.
أما المجتمع الدولي والإقليمي فعليهما الإشراف على قيام المؤسسات التي ستعمل على قيام انتخابات حرة ونزيهة في مواعيدها المضروبة مثل الدستور الدائم، مفوضية الانتخابات، مفوضية تنظيم الأحزاب السياسية، والإشراف على كل مراحل إجراء الانتخابات وتسليم السلطة الي القوي المدنية المنتخبة في نهاية الفترة الانتقالية.
يجب أن تكون الأولوية للأمن والاستقرار للسودان وليس للديمقراطية لأن الأخيرة تعمل في ظروف معينة ولا يمكن لها النجاح إذا لم تتوافر الأجواء الملائمة، هناك مهددات حقيقية للانتقال الديمقراطي المدني من انتشار السلاح، عدم وجود قوانين ومؤسسات تؤمن وتحرس الديمقراطية، عدم النضوج وغياب الوعي السياسي لكثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية في السودان كل هذه التحديات تصعب من قيام انتخابات حرة ونزيهة ولذلك الأجدر أن نهتم بخلق الأجواء المواتية للديمقراطية حتي يستطيع المواطن السوداني ممارسة هذا الحق دون ابتزاز من أي جه، شاهدنا الذي حدث في واشنطن أثناء انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب من احتجاجات وفوضى في كبتول هيل، وما وصلت إليه الأوضاع في أنحاء البلاد لولا وجود مؤسسات قوية تحرس الديمقراطية مثل القضاء والأمن وهيئة الانتخابات القومية.
لا نريد للسودان أن يتمثل النموذج السوري ولا اليمني فيتم تشريد المواطنيين إلي دول الجوار، وقد يتفق معي كل سوداني هادف لاستقرار بلاده في هذا الاتجاه بما في ذلك القيادة السياسية والأمنية في السودان.
هناك أسوأ سيناريوهات لا نحمد حدوثها إطلاقا في حال فشل الوساطة هي: -
الاحتمال الأول هو انتصار القوات المسلحة علي الدعم السريع في المعركة وهذا الاحتمال يستبعد قوى الحركة والتغيير من المشهد عند حدوثه ويجعل الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية، وبعض فلول المؤتمر الوطني حاضنة سياسية للنظام الجديد، وربما تعود القوى الثورية إلى المظاهرات السلمية، والمطالبة بتسليم السلطة وتحتدم المواجهات بين الجيش ولجان المقاومة مرة أخرى، بكل تأكيد المجتمع الدولي سيدعم هذا الخط ويضغط علي الجيش من أجل تسليم السلطة ويترجع السودان الي المربع الاول.
الاحتمال الثاني هو انتصار الدعم السريع وتسليم السلطة إلي الحرية والتغيير المجلس المركزي، وتشتعل الفوضى خاصة من قبل فلول المؤتمر الوطني، وبعض أفراد الجيش المهزوم وهذا نموذج شهدناه في العراق وسوريا واليمن وبعض الدول التي سقطت فيها السلطة المركزية.
الاحتمال الثالث هو هزيمة الدعم السريع في الخرطوم والمدن الأخرى، وتضطر قيادته للهروب إلى دول الجوار خاصة إفريقيا الوسطى، وتبدأ في تنظيم صفوفها وانطلاق الهجمات ضد الخرطوم من هناك، هذا سيناريو سيفضي إلى مفاوضات سلام تنتهي بالتوقيع على اتفاق تقاسم السلطة والترتيبات الأمنية الجديدة، ويعيد البلاد إلى الوراء أيضا، ولذلك سيظل الخيار الأول المتمثل في اعتماد نموذج عام 1964 المتكرر في عام 1985 وإعطاء الجيش والدعم السريع قيادة الفترة الانتقالية وقيام جهاز تنفيذي مدني من الكفاءات الوطنية يعمل على إدارة الفترة الانتقالية دون ترشيح أفراده في الانتخابات المقبلة هو الأفضل.