احذر عدوك
كانت ولا تزال وستظل إلى يوم القيامة.. عن عداوة الشيطان لبني آدم أتحدث، تلك العداوة التي أوردها القرآن في الكثير من مواضعه، وحذر منها حتى لا يتخبط الإنسان في معامي الضلالة، ويسقط في حضيض الغواية، ففي سورة البقرة في أول القصص القرآني عن الأنبياء، يقول الله تعالى متحدثا عن غواية الشيطان لآدم وحواء عليهما السلام حين أكلا من الشجرة التي حرمها الله عليهما، قال تعالى: (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) البقرة /٢٦.
وفي سورة الأعراف يذکر الله سبحانه وتعالى كيف أن الشيطان اللعين توعد بني آدم بالغواية والصد عن كل طرق الخير (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم ومن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين) الأعراف / وبدأت سلسلة العداوة بإغواء آدم وزوجه بالأكل من الشجرة التي نهاهما الله عنها، فيتكرر التحذير من الله لهما: (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) الأعراف/ ٢٢، ثم يسوق التحذير العام لأبناء آدم جميعًا إيذانًا بان العداوة لن تتوقف عن مستوى الآباء فقط، بل ستكون مستمرة بين نسليهما، فيقول المولى عز وجل (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما..).
وفي سور متعددة من سور القرآن الكريم يتكرر التحذير كما في سور (الإسراء_ الحجر - طه - فاطر_ ص) وغيرها ليكون بمثابة ناقوس يدق، ويقرع القلوب والآذان عند الناس جميعا حتى لا يغفلوا عن تلك العداوة، ويحذروا عواقبها، وكما جاء التحذير الإلهي في القران من هذه العداوة، جاء التحذير النبوي كذلك متمثلًا في الكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التى تأمرنا بالاستعاذة بالله تعالى واللجوء إليه درءا لوساوس الشيطان، وردًا لمكائده، ولذلك علم صاحبه (أبا بكر الصديق) رضى الله عنه عندما سأله أن يعلمه دعاء يقوله إذا أصبح وإذا أمسى، فقال له: قل اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السماوات والأرض، رب كل شيء ومليكه، أشهد ألا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي شرًا، أو أجره إلى مسلم) الحديث رواه الإمام أحمد وغيره.
والشيطان وذريته وأعوانه جادون في إذکاء عداوتهم لا يعبثون ولا يملون، وبسبيل الله، وبكل طرق الخير قعد الشيطان لابن آدم يريد أن يصده عنها، يقول النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه ( إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك، فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ إنما مثل المهاجر كالفرس في الطول، فعصاه وهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويقسم المال، قال: فعصاه وجاهد، يقول الإمام ابن القيم: (وكلما كان الفعل أنفع للعبد، وأحب إلى الله تعالى كان اعتراض الشيطان أكثر).
وقعد الشيطان له على طريق الصدقة، يريد أن يصد المسلم عن عمل من أرجى الأعمال وأكثرها ثوابا عند الله، فيقول النبي الكريم (ما يخرج ابن آدم شيئًا من الصدقة حتى يفك عنها لحيي سبعين شيطانًا) وهذا بيان وتصوير لحرص الشيطان على منع الإنسان عن عمل الخير، وعلى طريق قراءة القرآن قعد الشيطان يريد أن يصد المسلم عن قراءة كلام الله، لماله من عظيم المنزلة والثواب، فقال تعالى آمرًا من أراد أن يقرأ القرآن أن يتحصن بالله ويستعيذ به لدرء وساوس الشيطان وكيده وعداوته فقال تعالى: ( فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) النحل/ ٩٨ - ٩٩ - ١٠٠
وعلى طريق المحبة والمودة والتسامح بين الناس قعد الشيطان لزرع العداوات والفتن بين الناس، وإشعال نيران الخصومة فيما بينهم ولن يرتاح إلا بتعكير صفو المودة بين كل متحابين، بين الأخ وأخيه، والزوج وزوجه، والجار وجاره، فاحذر كيد الشيطان في ذلك، وها هوسيدنا يوسف عليه السلام عندما خر له إخوته سجودًا، وتحققت رؤياه قال لأبيه: (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًا، وقد أحسن بي إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد اُن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى...) يوسف / ١٠٠.
ولم يشأ أن يعكر صفو مودة اللقاء وجمع الشمل، فما كان ما حدث إلا نزعة شيطان، ولذلك يقول النبى الكريم: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)، والتحريش هو إفساد ما بين الناس من محبة ومودة، أو ما بين الزوج وزوجه، من علاقة وسكن ورحمة، وحصننا الحصين، وملاذنا الأمين الذى نستدفع به هذه العداوة وندرأ عنا الفتنة بأن نعود إلى الله -عز وجل- وكيف لا وهو القائل (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم) الأعراف / ٢٠٠.
فاللهم جنبنا الشيطان، ورد عداوته وكيده عنا يا رب العالمين.