صنع الله إبراهيم يتعرض لوعكة صحية.. كيف كتب أشهر رواياته؟
يمر الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم بوعكة صحية، بعدما تعرض لكسر في مفصل الحوض إثر سقوطه بمنزله، وأجرى جراحة صعبة، وهو واحد من أهم كتاب الستينيات والسبعينيات الذين صوروا الواقع المصري بعد ثورة 1952، والتحولات التي جرت بينها.
وفي السطور التالية نلقي الضوء على أبرز روايات صنع الله إبراهيم، وهي: تلك الرائحة ونجمة أغسطس واللجنة، وكيف ألفها، كما يتحدث هو نفسه في مقال له بمجلة فصول عام 1991؛ حيث يستهل الشهادة التي قدمها عن نفسه بحديثه عن تفتح وعيه على غليان الخمسينيات وثورة 1952، وأثرها على الأدب وخصوصا القصة والرواية.
صنع الله إبراهيم يتعرض لوعكة صحية.. كيف ألف أشهر رواياته؟
ويقول صنع الله إبراهيم: في هذا الجو جاءت أولى خطواتي في الكتابة بقصص قصيرة تعكس تأثرات مختلفة، واهتماما غير عادي بالشكل والتجريب، وبدأت رواية لم ألبث أن هجرتها عندما تبينت تأثرها الواضح بفرجينيا وولف، ثم بدأت رواية واقعية بأسلوب غنائي، على النسق السائد، ربما ببعض التأثر بثلاثية محفوظ، طعمتها بأجواء غامضة تثير الرهبة، وسرعان ما تخليت عنها، وقد عاد يلح عليَّ السؤال الذي يعرفه كل الكتاب، كيف أعبّر عن الواقع، كيف أكتب؟.
ويتابع صنع الله إبراهيم: في لحظة وفي لحظة يأس ولدت روايتي الأولى تلك الرائحة، التي اكتفت بأن ترصد الواقع كما هو دون محاولة للتأويل، أو التفسير، على الأقل من الظاهر، فقد كان ثمة إيحاء ما من خلال عملية الانتقاء للظواهر المرصودة، وانعكس ذلك الاختيار على اللغة، فالجملة فعلية، قصيرة، تخلو من التشبيهات وألوان البلاغة التقليدية، من الترهل والاسترسال المعتادين في السرد العربي، جملة محايدة تقريرية، لا تحيل على شيء، منظومة في تتابع لاهث، لا يتوقف للتحليل والتمحيص والتعقيب، ترصد كل شيء، فظواهر الواقع كلها تتساوى في القيمة: ترصد وحسب، دون أن تحفل بالتقاليد الاجتماعية ولا بالتقاليد الأدبية فلا تتورع عن الركاكة فى التركيب؛ أو التكرار لبعض الأفعال وأدوات الوصل، ولا تحفل بضيق القاموس المستخدم لكنها تسمح بمعارضات غنائية تتعلق بالماضي.
وعن كتابة روايته نجمة أغسطس يقول صنع الله إبراهيم: لكني لم ألبث أن اكتشفت أن معاودة الكتابة بالطريقة نفسها لن تؤدى إلى شيء يذكر سوى مراكمة لظواهر متشابهة، فما زال الهم الأساسي هو الإلمام بالواقع ومحاولة فهمه لا مجرد رصده، وقد تجلت لي إمكانية ذلك في موضوع السد العالي.
وكلما تمعنت في التفاصيل الهندسية الخاصة ببناء السد، وخصائص المواد المستخدمة، ونوعية الآلات، وطبيعة العمليات الجارية، وتوزع كل ذلك في وحدات متناسقة، تجلت أمامي الإمكانيات المذهلة التي تسمح في وحدات متناسقة، بمواصلة أشكال السرد المحببة إلى قلبي: الجملة الفعلية القصيرة، التقريرية والمحايدة، والأخرى الغنائية التي تستحضر الماضي، ثم الوثيقة المضمنة، وأخيرًا الجملة المونولوجية التي تمزج كل ذلك في تدفق أكثر حرارة، في بؤرة دقيقة تتحقق فيها وحدة كلية، لحظة الخلاص بالفعل، التي تفسر وتبرر، التي تسمح بفهم الواقع ومحاولة تغييره في الوقت نفسه.
ويتابع: لكن (نجمة أغسطس) تمخضت عن سجن بارد من القواعد الصارمة التي خيل إلى أنها تمثل طريقي الخاص؛ فهي ليست مجرد قواعد في تقنية الكتابة فحسب، بقدر ما هي، أيضا نظرة إلى الحياة، أساسها المراقبة والتورط المشكوم.
وداخل الجدران الباردة لهذا السجن كنت أتطلع إلى تلك الحرية التي كتب في ظلها كل عمل عظيم امتلك من السحر ما يجعله ينفذ إلى القلوب.
ويتحدث عن كتابة روايته (اللجنة) ودواعي كتابتها فيقول: كان المجتمع يتعرض لتغيرات واسعة النطاق؛ فالمشروع الحداثي العظيم للخمسينيات والستينيات آل إلى فشل مطبق، ونفض أصحاب المشروع أيديهم منه، مستكينين إلى وضع التبعية، وخلال سنوات قليلة عاد كل شيء إلى نصابه أعيدت الأرضاي المصادرة إلى أصحابها وتعدل سلم القيم وفقد العمال مكانتهم المتميزة، وعادوا إلى القاع، وأجهضت الصناعات الوليدة واستعادت الإمبريالية مراكزها القديمة... مرة أخرى السؤال المعهود: كيف أعبّر عن الواقع، كيف أكتب؟.
ويجيب صنع إبراهيم عن السؤال متحدثا عن روايته (اللجنة): في لحظة يأس جديدة، عدت إلى ورقة صغيرة دونت فيها منذ سنوات وصفا مبدئيا لفرد أعزل يواجه لجنة من الممتحنين ليرد على استفسارات غير محددة بموضوع بعينه، هدفها النهائي هو امتهانه وإذلاله، حين كتبت هذه الورقة بدا لي أن تطويرها إلى عمل متكامل رهن باستبعاد الدلالات الواقعية؛ ما يؤدي مباشرة إلى العالم الكافكاوي، ولم أكن وقتذاك مستعدا للابتعاد عما كنت أخاله طريقي الخاص، فنحيتها جانبا.
ويتابع: عدت إذن إلى هذه الورقة بعد تدريب طويل على كسر القواعد، ومراقبة طويلة لمسلسل الانهيار والتبعية، ودون أن أعبأ بشبهة الكافكاوية، بدأت أكتب (اللجنة) بشيء كثير من العفوية.
ويمر الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم بوعكة صحية، بعدما تعرض لكسر في مفصل الحوض إثر سقوطه بمنزله وأجرى عملية جراحية صعبة، وهو واحد من أهم كتاب الستينيات والسبعينيات الذين صوروا الواقع المصري.