مصر.. الجار القوي!
أن تكون جارا قويا فيستند إليك الضعيف والمحتاج.. يلجأ إليك الفار من العراك ليحتمي، والهارب من الجوع ليشبع.. هذا هو قدر مصر، الجار القوي للسودان في جهة الشمال، التي أبدا ما حطت يدها إلى جانبها دعما للشقيق، بل مدت الأكف بقدرة، وأفاضت في العطاء بحكمة، وأعلنت عن التزامها بوضوح.
طالما واجهت مصر، عبر تاريخها، المعضلة، بأشكال شتى، فخرجت منها منتصرة أو أصيلة، حتى لو تحملت فاتورة صراع يطول من أجل أن تبقى عزيزة بين جيرانها، قوية بين المنتسبين إليها، سواء بميزان الوطن أو الملجأ، للملايين القادمين من كل جار، يحملون مختلف الجنسيات.
وعبر معبري أرقين وقسطل، وفي رحلة تستغرق ثلاثة أيام وتبلغ تكلفتها ما لا يزيد عن 30 دولارا أمريكيا، وهو ما يجعل بدوره عدد الرحلات يصل شهريا إلى 37 ألف رحلة بين العاصمتين المصرية والسودانية، تستضيف مصر في انتقال آمن، نحو 5 ملايين سوداني فروا من ويلات الفقر والقتال، في ظل اتفاقية لحرية الحركة بين البلدين، تسمح للمواطنين من الجانبين بالتنقل بينهما في الاتجاهين للإقامة والعمل.
ولكن.. الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين السودانيين في القاهرة خلال أيام مضت، أصبحت محط اهتمام المصريين أنفسهم، خاصة بعد ظهور محطتين للحافلات في وسط القاهرة يطلق عليهما المصريون مازحين اسم "المطار السوداني"، وهو ما يضع العين والقلب والفكر بقوة على ما يتهدد مصر بسبب حدود شائكة، من الغرب والجنوب وحتى الشمال الشرقي.
الحدود المشوبة بالقلاقل والأزمات تمس، دون ريب، أمن مصر واقتصادها، لأن الأوضاع السياسية والأمنية فى ليبيا والسودان وفلسطين تشغل سلطات تلك الدول عن مراقبة الحدود، فمنذ أزمات إعلان الحكم الفيدرالي في إقليم برقة شرق ليبيا والتلويح بخطوة مماثلة فى إقليم دارفور شمال غرب السودان، والصراع مع الجنوب، وأزمات قطاع غزة، وصولا إلى تمرد ميليشيات الدعم السريع في السودان، يضع مصر أمام مسؤولياتها التي هي جديرة بها، سياسيا وإنسانيا.
وفي الأزمة الجارية بالسودان الآن، يبدو دور مصر بازغا، عبر اتصالات من دول العالم بقيادتها، بصفتها العضو الأكثر فاعلية في المنطقة، آخرها ما تلقاه وزير الخارجية سامح شكري، من اتصال من وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أنتوني بلينكن، ليبحث معه تطورات الوضع في السودان، وسبل دعم وتعزيز فرص الوصول إلى هدنة ممتدة ووقف مستدام لإطلاق النار، وذلك كله بالتزامن مع هدنة مدتها 7 أيام وافق عليها طرفي الصراع في السودان.
وتبقى مصر.. هذا ما نحن واثقون في رسوخه، بأن مصر باقية رغم أزمات جيرانها، غالبة رغم انكسارات العالم من حولها، العبء، والإرث، الذي يبدو ثقيلا على أي دولة في العالم، يظهر أمام عظم الدور المصري، وثقل قيادة البلاد السياسية، صغيرا باهتا، ستعبره مصر كما عبرت أعباءً غيره، لترسم للعالم صورة جديدة مضيئة من «مصر القادرة».