أنت في يد أمينة.. مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية في حوار هادئ مع أحد القراء
روى الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قصة حدثت له مع أحد القراء، قائلًا: بلغني أن واحدًا من القراء الكرام اسمه أحمد، ترك تعليقًا على المقال الماضي، وهذا نص تعليقه: كلام جميل... متعمق في الفلسفة، لكن فيه لغط في المفهوم.. بين الروح والنفس، ذكر الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه "مجموعة رسائل الإمام الغزالي" الاستدلال على النفس بقوله تعالى: ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)... وأنت تستدل على الروح بنفس الآية! فهل النفس التي تقصدها غير النفس التي يقصدها الإمام الغزالي؟ هل تقصد أصلًا نوعًا من الإدراك مغايرًا للنفس؟).
ورد الدكتور أسامة الأزهري على تعلق القارئ قائلًا، فشكرًا للقارئ الكريم أنه قرأ، وأنه رجع إلى كلام الإمام الغزالي، وأنه فكر وسأل وأفسح لسؤاله مجالًا، وأن أترك له تعليقات على سؤاله الكريم، بحيث يكون مقالنا هذا الأسبوع وقفة علمية رصينة، نرجع بعدها في مقال الأسبوع المقبل -إن شاء الله تعالى- إلى إكمال المسيرة، مسيرة بناء الإنسان.
وأشار الأزهري، إلى أن سلسلة المقالات التربوية المبسطة تهدف إلى بناء الإنسان، ولفت نظره إلى كيفية التعامل مع القوى التي يتكون منها؛ بحيث تصنع منه نموذجًا ربانيًا راقيًا، مؤكدًا أنه لا يجب أن يكون المقال مليئًا بالمصطلحات وهذا ليس مناسبًا بالمرة لقراء الموقع؛ بل ينشر في مجلات علمية أكاديمية متخصصة.
وأضاف: كلام العلماء من القدامى والمعاصرين في مفهوم الروح والنفس كلام في غاية الاتساع، ومذاهبهم في هذه المسألة في غاية الانتشار، متابعًا: فاعلم يا أحمد أنه قد أُلّفت مؤلفات مستقلة في الفارق ما بين الروح والنفس؛ فمن ألف فيها من الأقدمين: الحافظ أبو عبد الله بن منده، له كتاب كبير في الروح والنفس، متابعًا هؤلاء يناقشون مفهوم النفس والروح على ضوء مصادرنا المعرفية، ومناهجنا البحثية، وفي مقابلهم طبعًا مدرسة أخرى في دراسة النفس البشرية، عند فرويد، وأدلر، وبافلوف، وغيرهم، وكتاباتهم مشهورة وهي في غاية الكثرة.
وتابع: مراجعة موقف الإمام الغزالي يا أحمد لا يكون من خلال موضع واحد من كلامه، تعرض فيه للمسألة؛ بل لا بد من التوسع والنظر في مجموع كلامه؛ بحيث تصبر على جمع كل المواضع التي تكلم فيها في المسألة في مؤلفاته الكثيرة؛ حتى تتضح لك نظريته كاملة، فلا تقتصر يا أحمد على النظر في موضع واحد، من كتاب واحد للغزالي، طبع ضمن مجموع رسائل الغزالي رحمه الله.
وواصل الأزهري: بعد جمعك لكلام الغزالي في صعيد واحد لا بد لك من خلفيات علمية مهمة، قبل أن تدرس ذلك المجموع من كلام الغزالي؛ فلا بد لك مثلًا من معرفة أن الغزالي خصوصًا يرى أن النفس والعقل والروح والقلب شيء واحد؛ لكنه متعدد الاعتبارات، له وظائف؛ فهو يسمى بأسماء مختلفة، كل اسم منها باعتبار وظيفة من وظائفه؛ فله وظيفة معينه يسمى من جهتها نفسًا، ووظيفة أخرى يسمى من جهتها روحًا، ووظيفة ثالثة يسمى من جهتها عقلًا.
وتابع: فتبين أن تلك الألفاظ إذا اجتمعت افترقت، وإذا افترقت اجتمعت، مع إضافة ضابط علمي آخر هو دلالة السياق، وهي دلالة معتبرة، لها أثر في الفهم؛ بحيث يمكن أن تفترق تلك الألفاظ، مع سياق كاشف عن معناها المراد عمومًا وخصوصًا.
واختتم الأزهري: اطمئن يا أحمد؛ فأنت في يد أمينة، واعلم أن الأزهر الشريف ما خرجنا إلا بعد أن زودنا بالعلوم والمناهج البحثية المتقنة؛ فجزى الله عني وعنكم الأزهر الشريف كل خير، ولا تقلق يا أحمد؛ فليس هناك لغط؛ بل هناك كل عناية وتدقيق مني فيما أكتبه إليكم، وهناك خيوط دقيقة جدًا داخل النفس، أجتهد في التقاطها، وفي إبرازها، وفي تسليط الأضواء عليها، وفي تقديم مناهج النبوة في صناعتها وبنائها، وأسأل الله التوفيق على كل حال.