حبس أسطورة إيطاليا وحصده لكأس العالم.. إيفان توني يعيد إلى الأذهان أحزن قصة مراهنات في كرة القدم
من سلبيات لعبة كرة القدم منذ فترات طويلة، دخول المراهنات في اللعبة، والتي أضاعت جزءا كبيرا من متعتها بعدما كانت تقتصر متابعة المباريات على المتعة فقط والتشجيع من أجل الفرق، ولكن تغير الأمر بشكل كبير جدا بعد دخول المراهنات، وبعيدا عن السرد في هذه القصة الطويلة فإن المراهنات دائما تحمل قصصا حزينة للاعبين بالتحديد حين يتم اكتشاف تورطهم فيها.
وواحدة من أحزن قصص المراهنات من ناحية الأزمات التي سببتها اللعبة للاعبين المتورطين بها، هي قصة باولو روسي أسطورة منتخب إيطاليا السابق، والتي أعادها إلى أذهاننا، إيفان توني نجم هجوم فريق برينتفورد ومنتخب إنجلترا.
إيفان توني يقع في مصيدة المراهنات
وتحدث الجميع أول أمس الأربعاء 17 مايو، عن اتخاذ الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم قرارا بإيقاف الإنجليزي إيفان توني لمدة 8 أشهر كاملة حتى شهر يناير 2024، عن ممارسة أي نشاط له علاقة بكرة القدم، وذلك بسبب تورطه في قضايا مراهنات.
إيفان توني هو واحد من اللاعبين الواعدين بشكل كبير الذين ظهروا في إنجلترا منذ فترة قريبة، فقد قدم مستويات مميزة وبالتحديد هذا الموسم الذي تألق فيه مع فريقه، واحتل المركز الثالث من جدول ترتيب هدافي البريميرليج برصيد 20 هدفا، قبل أن يتلقى صدمة إيقافه.
وأيضا هناك واقعة شهيرة وصدمة أخرى لصاحب الـ27 عاما، وهي استبعاده من المشاركة مع منتخب إنجلترا في مونديال قطر 2023، وأبدى اللاعب حزنه الشديد من هذا القرار بعدما كان يرى أنه مؤهل للتواجد مع منتخب بلاده في هذا الحدث، والآن تسبب في أزمة كبيرة لنفسه، بسبب المراهنات ومعها جعلنا نتذكر قصة تعتبر واحده من أحزن القصص في هذه القضية.
روسي من الدوامة للجحيم
بداية الإيطالي باولو روسي كانت مبشرة بشكل كبير في الملاعب الإيطالية التي قضى فيها حياته المهنية بأكملها، فقد اكتشفه مسؤولو يوفنتوس في أحد الفرق الصغيرة في ضواحي مدينة فلورنسا الإيطالية، وخطفه عملاق إيطاليا وهو في سن السابعة عشر بسبب مستواه المميز الذي ظهر به وقبل أن يتعاقد معه أي ناد آخر.
وبالرغم من الأداء المميز الذي ظهر به وبداية دخوله من أوسع أبواب المجد، وجد روسي نفسه في كابوسا لم يكن يتمنى الدخول فيه، فقد دخل في دوامة الإصابات بداية من كسر في المعصم وصولا إلى الخضوع لثلاث عمليات جراحة في الغضروف.
وفي صيف 1975، وجد روسي نفسه على قائمة الراحلين عن يوفنتوس، وتمت إعارته بالفعل إلى نادي كومو، ولكن قضى معظم الموسم مصابا وظل في نفس دوامته.
وفي العام التالي انضم روسي إلى نادي فيتشنتزا، الذي ينشط في دوري الدرجة الثانية الإيطالي، وهنا استعاد النجم الإيطالي بريقه بالرغم من بعده عن بريق الدوري الممتاز والأضواء ولكن هذه الأجواء ساعدته في بناء مجده.
وساهم بابليتو حسب ما كانت تلقبه الجماهير، في تأهل فيتشنتزا إلى الدوري الإيطالي الممتاز في موسم 1976/1977، وقدم موسما مميزا مع الفريق حيث سجل 21 هدفا.
وظل تألق روسي ليتمكن من إنهاء الموسم التالي مع فريقه المتواضع في المركز الثاني خلف يوفنتوس ويفوز بجائزة هداف المسابقة برصيد 24 هدفا، بل ويتم استدعائه إلى منتخب إيطاليا عام 1977، وشارك مع المنتخب في مونديال 1978 بالأرجنتين وسجل ثلاثة أهداف ولكن لم يفز المنتخب باللقب.
ولكن عاد باولو إلى الدوامة التي يحاول الهروب منها مرة أخرى، وعقب عودته من رحلة الأرجنتين تعرض إلى إصابة قوية، ولم يشارك في معظم مباريات فريقه الذي تأثر بغيابه وهبط مرة أخرى للدرجة الثانية، لينتقل إلى نادي بيروجيا على سبيل الإعارة.
وتألق روسي مع ناديه الجديد وسجل 13 هدفا وساهم في تأهل فريقه إلى كأس الاتحاد الأوروبي، بالرغم من انتقادات الجماهير لفكرة ضمه في البداية، ولكن كعادته كل هذا المجد ارتطم بنحس نجم إيطاليا وجاءت الفضيحة الشهيرة.
هذه المرة لم تكن الدوامة بل كان الجحيم، في صباح أحد أيام شهر فبراير 1980، اهتزت إيطاليا بفضيحة كبيرة في المراهنات والتي عرفت باسم فضيحة توتونيرو.
مسجون أم موقوف
وتم الكشف عن هذه الفضيحة التي وصلت فيها المراهنات إلى مليارات الليرات، لتعديل النتائج في الدوري الإيطالي، بعدما توجه اثنين من المتقامرين إلى نيابة روما في مارس وكشفا عن تعرضهما إلى النصب وحكيا كل تفاصيل القصة.
واتضح أن المراهنات شارك فيها شركتان وأحد اكبر المراهنين وبعض رؤساء الأندية مثل ميلان وبولونيا ولاتسيو وبيروجيا واللاعبين المعروفين، وبالتدريج بدأت التحقيقات وكشف كافة الأمور وتطبيق العقوبات.
وتقرر هبوط كل من ميلان ولاتسيو إلى دوري الدرجة الثانية وخصم نقاط من بعض الأندية الأخرى، وتبرأة رؤساء الأندية، وتوقيع عقوبات غليظة على اللاعبين المتورطين بدأت من الإيقاف ستة أشهر وحتى ست سنوات
وبالطبع بطلنا صاحب الحظ التعيس باولو روسي، كان من ضمن المتورطين في المراهنات حيث راهن على ترتيب نتيجة مباراة فريقه ضد أفيلينو في 30 ديسمبر 1979، وعوقب بالإبعاد عن ممارسة أي نشاط لكرة القدم لمدة 3 سنوات وبعد الاستئناف تم تخفيضها إلى سنتين.
وهناك كذبة شهيرة مرتبطة بروسي أنه لم يتم إيقافه بل تم سجنه لمدة سنتين، ولكن الحقيقة أنها كانت إيقاف فقط وأمر السجن لم يكن إلا كذبة كان الغرض منها التضخيم في قصة اللاعب الذي عاد من عقوبته وصنع مجد بلاده، والسبب في ذلك أنه لم يكن هناك قانون في إيطاليا يجرم التلاعب بنتائج المباريات، وبالتالي لم يسجن أحد في هذه القضية.
كان يجب أن يدفع الثمن شخص مهم، وفهمت بسرعة أنني الضحية التي تم تعيينها، كنت كبش فداء لمنع أزمة أخطر وأعمق.. هكذا علق صاحب الـ24 عاما، على عقوبته في مذكراته، بعدما وجد نفسه بعيدا عن معشوقته كل هذه المدة.
وكان الحل الوحيد لكي يحاول باولو التقرب إلى معشوقته كرة القدم، هو اللعب في دولة غير عضوة في الاتحاد الدولي لكرة القدم، وبالفعل وصله عرض ضخم جدا من أندية في جنوب إفريقيا، ولكنه رفض الأمر وظل متمسكا باللعب داخل بلاده.
وظل باولو على حاله إلى أن تقدم نادي يوفنتوس في نهاية مدة عقوبته بعرض لشرائه من ناديه فيتشنتزا مقابل مليارات الليرات، وظهر أول مرة مع السيدة العجوز، عقب نهاية العقوبة في 18 أبريل 1982، ولم يشارك سوى في ثلاثة مباريات، وبدأ يستعيد بريقه.
وهذه المرة تعلم روسي الابتعاد عن الدوامة وعن أي شيء قد يؤذيه، وقدم مستويات مميزة ليطير مع منتخب إيطاليا إلى مونديال إسبانيا 1982، الذي كتب فيه أسعد فصل في قصته.
البرازيل بكت بسببه
“لقد جعلت البرازيل تبكي”.. هكذا سمى روسي كتابه الذي يسرد فيه قصة حياته، مستشهدا بالجزء الأعظم في مسيرته....
شارك باولو مع الطاليان في مونديال 82 وتألق بشكل لافت، بالرغم من اشتعال الأجواء والصحافة الإيطالية، فكيف للاعب عائد من الإيقاف بسبب فضيحة أن يقود المنتخب الوطني في هذا العرس الكروي.
وجاء رد باوليتو داخل المستطيل الأخضر، بعدما تألق بشكل لافت، بل وأخرج أحد أقوى منتخبات العالم وأقوى المرشحين للفوز بالبطولة منتخب البرازيل، في المباراة الثانية بالدور الثاني "حسب النظام القديم"، وأبكاهم بالفعل.
في مباراة درامية سجل روسي الأول لإيطاليا فتعادلت البرازيل فسجل الثاني فتعادلت مرة أخرى، ليسجل باولو الهدف الثالث ويكون بطل هذه الموقعة الأوحد، ويصطحب رفاقه إلى نصف النهائي، وخرجت الجماهير تهتف باسمه في شوارع روما.
وظل تألق باولو هذا حتى حصد مع منتخب إيطاليا مونديال 82 على حساب ألمانيا وعلى أرضية ملعب سانتياجو برنابيو، بل وفاز بالحذاء الذهبي كهدافا للبطولة برصيد 6 أهداف، وفاز بجائزة أفضل لاعب في البطولة.
وصار باولو روسي حديث الشارع في إيطاليا وبطل قومي، بل وأطلقت الصحافة على البطولة "كأس باولو روسي" وفاز بجائزة الكرة الذهبية المقدمة من مجلة فرانس فوتبول، وتم رفعه عقده في اليوفي، ليشعر وأنه في مدينة الأحلام.
واعتزل روسي في 1987 وهو في الحادية والثلاثين من عمره، وتوفي ديسمبر 2020، تاركا خلفه إرث كروي وتاريخ كبير على ملاعب إيطاليا، وجدل كبير أيضا حول تهمته في القضية التي اعتبرته الجماهير متورطا فيها وليس مذنبا.
فرصة أخيرة
وتعد هذه القصة عبرة لأساس كتابتها، إيفان توني، ليضعها أمامه هي وقصص أخرى كتير تحمل نهاية سعيدة وأخرى حزينة بسبب المراهنات، ليأخذ لاعب برينتفورد الموعظة ويعيد ترتيب أوراقه خلال فترة إيقافه ويستعد للعودة من جديد بعد ثمانية أشهر كنجم جديد بطموح جديد أو كلاعب مر على اللعبة وترك خلفه فضيحه فقط، فكيف سيكون اختياره؟