محمود بكرى.. الحكاية الكاملة
تمتلئ الصحف والمؤسسات الصحفية في مصر بالعديد من الشخصيات الصحفية المشهورة، التي أحدثت تأثيرا واضحا في مهنة صاحبة الجلالة سواء على المستوى العلمي أو الفني أو المستوى الثقافي أو الاجتماعي، وفي العديد من مجالات الحياة.
لقد أفرزت صاحبة الجلالة أشخاصا أصبحوا بمثابة علم في مجالهم ونتج عن ذلك أن ذاع صيتهم في الأرجاء.
وحديثي هنا عن شخصية صحفية لم تكن مجرد كتابة مقال عنه أو أنه صحفي مشهور وله اسمه فقط في بلاط صاحبة الجلالة فقط.
بل إنه اجتمعت فيه كل الصفات التي تحدثت عنها في بداية مقالي، وأضف على ذلك الجانب الإنساني والاجتماعي.
لم يكن الكاتب الصحفي وعضو مجلس الشيوخ الدكتور محمود بكري - رحمه الله- مجرد صحفي تمرس المهنة مثل كثير من الصحفيين المتواجدين في بلاط صاحبة الجلالة.
فقد كان شخصية مؤثرة في المجتمع وكان يمتلك القدرة العالية على التأثير في الآخرين في النواحي كافة.
هو دائم الحضور في الأذهان فيما يميزه بشخصيته القيادية وحضور لافت وقدرة على الحوار وعمق في التفكير وسرعة بديهة ونقاء بصيرة.
وخلق الله عز وجل بعض البشر يتمتعون باللين والقلب والرحمة، وقد تحدث عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم سيدخلون الجنة عندما قال (لا يدخل النار كل لين هين)، فهؤلاء البررة يتسمون بالعطف والرحمة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلوبهم.
فقد كان (بكري) دائما يشعر بغيره مثلما يشعر بنفسه ويضع نفسه دائما مكان الآخر وكان دائم التفكير بالناس من حوله وكان - رحمة الله عليه - يسخر جهده ووقته لقضاء حوائجهم.
فقد أحدث خبر وفاته فاجعة للجميع وكان أثرها واضحا على البسطاء ممن كانوا يلجؤون إليه لقضاء حوائجهم.
لقد فقدت محافظة قنا وحلوان ومصر كلها واحدا من أشجع وأنبل رجالها الذين قدموا للمواطنين البسطاء عطاء بلا حدود شملت المجالات كافة.
المواطنون البسطاء كان حزنهم عميقا لوفاته ـ يرحمه الله ـ لقد فقدوا رجلا نذر نفسه لخدمة أبسط الناس.
رجل تجسدت فيه سمات الشخصية القيادية المهمومة بأمن كل إنسان بدائرته، واحتضن بقلبه الكبير آلام وآمال كل مواطن ومقيم على هذه الأرض الطيبة.
وفقدت مصر بوفاة بكري ـ رحمه الله ـ أحد صناع السعادة التي رسمت على جبهة هؤلاء البسطاء في كل بيت لجأ إليه ولم يرده.
ساهم بكري -رحمة الله عليه- منذ وقت مبكر في تحمل المسؤولية بأمانة وإخلاص واقتدار، وتحمل المسؤولية منذ أن وطئت قدماه أرض حلوان وشهد له الجميع بذلك.
لقد شعر بكري بمعاناة هؤلاء البسطاء لأنه منهم، لقد ولد وترعرع في بلدته بمحافظة قنا من أسرة بسيطة تحاوطهم من كل الجوانب بالحب وتحثهم على عمل الخير منذ نعومة أظافرهم، جعلته يشعر بما يشعرون به ويدافع عن حقوقهم، دائما تجده في جميع المناسبات كان انتماؤه لأهل بلده وتقديم يد المساعدة لهم أولى اهتماماته.
وعندما تجالسه - رحمه الله - تستمع لما يملأ الوجدان بالحب والعطاء.
كان - رحمة الله عليه- هو وشقيقه الأكبر أستاذنا الكاتب الصحفي وعضو مجلس النواب مصطفى بكري مهمومين بقضايا الوطن والمواطن وخاضا حروبا على المفسدين.
وفي تصوري أن جهودهما لم تذهب وما قدماه لأهل بلدتهما بمحافظة قنا وأهلنا في حلوان خير دليل على أن الخير باق وإن ذهبت الروح لبارئها.
فشخصيته - عليه رحمة الله - ينبغي أن تدرس وتحلل.. لأنها في تصوري منظومة فكرية صنعت فلسفة جديدة في الحب والعطاء والإخلاص لهذا الوطن.
لذلك يعجز القلم عن وصفه ويعجز اللسان عن النطق عنه، فكلما جال بخاطري أحد المواقف له أجد نفسي عاجزا عن التعبير فمواقفه الإنسانية تتحدث عنه في كل أرجاء المعمورة، وسيرته العطرة ومسيرته في العطاء تخطت كل الحدود.
رحمة الله عليك أستاذي.. وألهمنا الله الصبر والسلوان على فقدانك.