السوشيال ميديا وخطرها الخفي
أدعم بقوة فكرة نظرية المؤامرة لأنها من طبائع البشر والعالم في الواقع يقوم على المنافسة، وكل دولة تتمنى إضعاف من حولها لتبقى.. ومن أهم عناصر تلك المؤامرة الآن ممارسة التسطيح والتتفيه للمجتمعات، والتدمير الكامل لمنظومة الأخلاق بداخلها، وخاصة في بلادنا العربية والإسلامية لأن هذه الأشياء هي أهم ما نملكه وبه كنا وبدونه لن نكون أبدا، والسوشيال ميديا هي السلاح الأهم في تلك المرحلة.
وما نراه من تشجيع غير عادي لكل محتوى تافه ومنافٍ لقيم وأخلاق مجتمعاتنا من جهة، وفي المقابل محاربة كل ما يواجه تلك الانحرافات والتضييق عليه وحجبه، أو إغلاق الحسابات التي تقدمه يدل بشكل قاطع على أن هناك أمرًا لا بد من الانتباه إليه والحذر منه.
ذلك فضلا عن الكثير من المواقع التي أصبحت تفسح المجال للإتجار بالبشر في صورة أقبح مما عرفه العالم في القرون الماضية.. أي رخص أكثر من أن تقف فتاة أو سيدة شبه عارية أمام كاميرا لتعرض نفسها للجميع بلا حياء أو خجل؛ من أجل الحصول على نسب مشاهدات تمنحها بعض المال، وأكثرهن لا يحصلن على شيء بحجة عدم إتمام الشروط بعد كل هذه التنازلات التي تموت الحرة جوعا ولا تمنح ابتسامة فقط وليس جسدها كاملا.. والأبشع من ذلك أننا نجد هذا من أزواج يقدمون زوجاتهم بهذه الطريقة في مجتمعات لها دين وقيم ومبادئ لا تقبل مجرد أن تخضع المرأة بالقول لرجل غريب عنها.. أو كانت كذلك بكل أسف.
ولكن مع كل هذا فإن اللوم الأكبر علينا نحن الذين نتعاطى مع ذلك المحتوى التافه، ونصنع منه تريندا أو نمنحه ملايين المشاهدات التي تجعل الكثير من هواة الشهرة والربح بأي ثمن يهرولون إلى هذه المنطقة، ليتطوعوا بإرادتهم للمشاركة في تلك المؤامرة التي لا تهدف إلا لإسقاط المجتمعات وتحويل أبنائها إلى مسوخ يحملون عقولا فارغة، ويملكون شخصيات سطحية تافهة، بينما يظنون أنهم يحسنون صنعا.
ولذلك أقول إنه لا يمكن أن يجبرنا أحد على كل ما نشكو منه؛ لأننا من نصنعه بأيدينا، أو بمعنى أدق ننميه ونحوله إلى شيء مؤثر بأنفسنا.
فهل نفيق حتى ننقذ ما يمكن إنقاذه؟ أم سنظل هكذا في تلك الغيبوبة المميتة إذا طالت؟
وهنا لابد من التأكيد على أن كل ما سبق لا يعني المطالبة بمقاطعة السوشيال ميديا بشكل كامل، فلا يمكن إنكار جوانبها الإيجابية، ولكن يجب الحذر الشديد في التعامل معها، وعدم الاستغراق فيها لدرجة جعلت البعض يعيش أسيرا لها، ومن الممكن أن يبني قناعاته في الحياة من منشورات يقرؤها على بعض الصفحات التي لا نعلم من يقف خلف أغلبها ويدعمها ويمولها حتى تصل إلى ملايين المتابعين، التي تدعو دائما للتشاؤم ولا تتحدث إلا عن خيبة الأمل والخذلان، وجعل من يتابعها يعيش دور الضحية، ما أدى إلى انهيار الكثير من العلاقات الزوجية أو إفسادها تماما، خاصة أننا نجد أن تلك المنشورات موجهة بشكل أكبر للنساء، وذلك لون آخر من ألوان المؤامرة التي تعمل الآن ذاتيا، بعدما أصبح الكثير منا ينشر كل تلك السموم بنفسه ويساعد دون أن يدري في ترويجها.
إذن الحذر كل الحذر، ولا يظن أحد أن كل تلك المنظومة الهائلة صنعت فقط لتسليته أو إفادته، وإنما للسيطرة التامة على عقله وفكره، ومن ثم انقياده بكل سهولة إلى حيث يراد له دون أن يدري.. ولنتعامل مع الإنترنت بشكل عام كالسكين الذي يمكن أن نستخدمه في المصلحة فقط، ولا ننظر إلى الجانب السيئ منه.