من أصل الحكاية
جاء لى صديقى منهك القوى، يحمل فى يديه ورقة مكتوب فيها: “إلى مصر الجميلة الرائعة، أحبك يا بلادى، أرضك مولدى ومماتى، تعلمت الحب من فيضان نيلك والعطاء من مجد أبنائك، اعلم أن خيرك يفيض، تطلين على بحرين، وجغرافيتك متحف مفتوح من آثار أجدادى، اسكن بجوار أهرامك، وأقول بكل كبرياء وعظمة إنى مصرى”.
وجلس صديقى شارد الذهن، سارحا بخياله فى كل شيء، عقله لايتوقف عن التفكير فى كل ما تواجهه مصر من مشكلات سواء فى التعليم، أو الصحة، أو الثقافة، أو الاستثمار، أو الاقتصاد، بل فى كل المناحى هناك قصور واضح، فالصورة أمامة قاتمة، برغم كل المقومات التي تمتلكها مصر لتجعلها في الريادة.
كثيرا ما أسأل نفسي ماذا ينقصنا لكى نكون دولة متقدمة وناهضة وديمقراطية ويحظى شعبها بالأمن والسلامة والكرامة والمساواة ويتحقق لشعبها الرفاهية وتخرج من عباءة الدول النامية؟.
أعلم أنه سؤال صعب فيما نعيشه من أحداث وظروف صعبة وإرث من التخاذل من عقود سابقة ورثناه فى كل المناحى ونتحمل تبعاته الآن.
وبالرجوع إلى التاريخ وليس ببعيد تجد أن هناك دولا خرجت من أوضاع أصعب وأقسى من أوضاعنا، وبالعمل والمثابرة نالت مكانتها بين دول العالم المتقدم.
حينما كنت أطلع على تجربة سنغافورة وما فعله “لى كوان” وكيف استطاع شخص واحد صنع دولة وخرج بها من كونها مجموعة برك ومستنقعات يقطنون الأكواخ وينتشر الفقر والفساد والبطالة والجريمة وكل الموبقات، إلى دولة من العالم المتقدم فى خلال 3 عقود، واستحوذ على الترتيب الأول في أي تصنيف يتم في الشفافية والتعليم ودخل الفرد وغيرها وأصبحت ثالث دولة على العالم في تكرير النفط، ومن أكبر مصدري الإلكترونيات في العالم، وكيف تحولت الأكواخ إلى ناطحات سحاب؟.
لا شك أن ما فعل ذلك هو الإنسان الذى امتلك الإرادة لإحداث التغيير وآمن شعبه به في النهوض بدولتهم رغم العرقيات المختلفة التي تحتويها وكذلك اللغات.
هي تجربة تستحق الإشادة والدخول في تفاصيلها يطول ولكن هم عزموا وخططوا ونفذوا أحلامهم إلى واقع ملموس.
دائما يقولون لنا اقرأوا التاريخ، والآن علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، نأخذ بكل أسباب التطور وننقل التجارب الناجحة التي تتوافق مع قدراتنا ومقدراتنا وهويتنا، ونفعل دستورنا ونجمع شتات أنفسنا ونكون على قلب رجل واحد.
نريد أن نكون مثل كل دولة من الدول الكبرى فى تقدمها ونهضتها ولكن هل نكون مثلها في السواسية وأن الجميع واحد أمام الدستور والقانون، والجميع يحظى بنفس الرعاية الصحية والتعليمية.
تخيل أن وزيرة الداخلية البريطانية تواجة تهما بالفساد بدعوى الحصول على معاملة خاصة بسبب تغريمها غرامة مالية لتجاوزها السرعة المقررة والمفترض أن تحصل على دورة مع عدد من السائقين حتى لا تخسر نقاطا على رخصتها فطلبت من مستشاريها أن تحظى بمعاملة خاصة فاتهمت بالفساد واستغلال الوظيفة.
في الولايات المتحدة الأمريكية، تم عزل الرئيس نيكسون لأنه مارس التجسس على خصومه السياسيين خارقا قواعد الدستور، وكلينتون كان معرضا للعزل لأنه ضلل العدالة ولسلوكه المشين.
أما لدينا فالمحسوبية تنخر فى عظم الوطن وتقتل الكفاءات وتفتح الباب لهجرتهم ونشعر بالأسى على ما نفقده من كوادر عظيمة هربت من البروقراطية والفساد.
علينا الاعتراف بحقيقة أوضاعنا حتى نستطيع التعامل معها وتجاوزها، لا أنكر أنه منذ عهد الرئيس السيسى هناك تقدم ملحوظ في مجالات عديدة وهناك إنجاز من تطوير في شبكة الطرق والمواصلات ومشاريع قومية عملاقة في تحلية المياه ومعالجتها والكهرباء والقضاء على العشوئيات ودرة المشاريع حياة كريمة وتكافل وكرامة وغيرها، ونعترف أننا مازلنا نحتاج إلى ثورة في الصناعة والاستثمار وخلق وعي جمعي للمواطنين لأنهم الشركاء الحقيقين في البناء والوطن.
وهنا أتعرض لموضوع التعليم على سبيل المثال، وأن بعض الدول التي أحدثت طفرات فى النمو الاقتصادي والعسكري وحتى السياسي وفي كل مجالات نهضتها كان بسبب التعليم، ولذلك تضع تلك الدول التعليم في أولوياتها وتوفر له التمويل وكل سبل الارتقاء والنهضة.
وبرغم أن العالم يعيش في عصر التكنولوجيا والثورة المعلوماتية ونحن مازلنا نحارب الأمية وللأسف أمية القراءة والكتابة وليست الإنترنت ومواكبة العصر المعلوماتي ولا دخلنا نادي البلدان النووية ولا حتى استفدنا من الهبات الطبيعية التي قدمتها لنا الطبيعة من شمس وأنهار وبحار ومعادن ولا حتى آثارنا التي تعد ثلثي آثار العالم لم نستطع توظيفها التوظيف السليم واللائق.
ولا يتأتى استخدام ذلك كله إلا بفضل العلم فهو الطريق إلى الارتقاء والتقدم وقد فهمت الدول الغربية ذلك مبكرا وأعطت البرامج ووضعت السياسات لنهضتها العلمية حتى استطاعت التفوق فى كل المجالات المختلفة.
ولابد أن يتحول الاهتمام بالتعليم إلى قضية أمن قومي لأنه أساس التقدم في كل المجالات وهو من يفرز العامل البشري المؤهل لقيادة دفة الأمور على منهج علمى مدروس وخطط طموحة.
وعلى الحكومة معرفة أن التعليم هو حجز الزاوية الأساسي في التطوير إلى الأفضل صحيا وعسكريا واجتماعيا وأنه صمام الأمان لأمننا القومي لو تم رعايته حق الرعاية.. ما نحتاجه لنتخطى كل عقباتنا ومشكلاتنا هو إحياء للضمير ومراعاة الله فيما نقدمه ونبذله.
أيها السادة يجب أن نعترف بمشكلاتنا ويكون لدينا القدرة والإرادة لتحدي تلك العقبات وأن نحدد الأولويات لننتقل إلى مصاف الدول المتقدمة ونحن نستطيع إن شاء الله بإرادتنا ووعي شعبنا.. وحفظ الله الوطن.