وجدتُ مُتكأ
داهمتني وعكة وأدركتني عناية الكريم مثلما تدركني في كل مرة ولكن هذه المرة كادت تُطيح بحياتي وتُرديني لدرجة أنني حسبت نفسي في تعداد الموتى، لتأتي أمي رحمها الله وتهمس في أُذني بصوتها الحنون مُرددة لثلاث مرات على التوالي "صاحب المعروف إذا وقع وجد مُتكأ" قالتها أمي وأنا ما بين اليقظة والنوم زارني طيفها زيارة خفيفة ولم يمكث طويلًا أثلجت صدري وجمعت قواي واستعدتُ نفسي بهذه العبارة.
وأقول بكل يقين إن الإنسان إذا ما صنع صنيعًا أو أسدى معروفًا واحتسبه لوجه الله خالصًا سيُحاط بسياج وكنف ولطف مولاه وتدركه الرحمة وسيجد مَنْ يحنو عليه حتى ولو كان من الغرباء فكم لله من لطف خفي.
وأتعجب من هؤلاء القاسية قلوبهم الذين باعوا آخرتهم واشتروا دنيا غيرهم فلماذا الغرور فقد تنقلب الدنيا رأسا على عقب بين طرفة عين وانتباهها ولن ينفع مال ولا أهل ولا قوة ولا حتى نفسك التي بين جنباتك ويبقى الله حين لا يبقى أحد ويفر كل أحد واتعظ إن أردت بقوله تعالى "وما تقدموا لأنفسكم مِن خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا".
يدّعون محبتك ومساندتك كذبًا وزورًا لتسقط الأقنعة المُزيفة أثناء شدتك وتفلت الأيدي وتسّود القلوب التي طالما ادعت وقوفها بجوارك وغفلت نواياك الطيبة، الله مُطلع ويعلم مدى صفاء قلبك فلا تحزن ولا تقنط فكل الذين صبروا قد جُبروا واتركهم في غيهم يعمهون.
وأتذكر مقولة إن العدالة تقتضي أحيانًا أن يُوضع المجني عليه بجوار الجاني في قفص اتهام واحد فتنظر إليهم وتتعجب بل وتندهش كيف لجاني ومحني عليه يقفان إلى جوار بعضهما لو تأملت جيدًا ستعرف أننا لم نُخلق لإثبات حسن نوايانا أو حتى نبرر أفعالنا وتصرفاتنا.
وإذا أردت البكاء فاصطحب نفسك إلى خلوة وابكِ خشيًة لله وندمًا على ما فرطت واصبر لحكم الله واحتسب وعند الله تجتمع الخصوم، وتعود الحقوق، وتظهر الحقائق وتنكشف السرائر.
وأخيرًا ردد بقلبك صاحب المعروف إذا وقع وجد عند الله المُتكأ.