الحج.. مؤتمر المسلمين السنوي
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
في هذه الأيام المباركة العظيمة، تهفو القلوب والأرواح وتجأر الألسنة وتعلو الأصوات، تملأ جنبات الأرض، وتشق عنان السماء، بهذه الأنشودة العظيمة، تنبعث من قلوب وألسنة من اختارهم الله - تعالى لأداء فريضة الحج، وتحرك شوقا لا ينطفئ إلى تلك البقاع الطاهرة المقدسة، حيث البيت الحرام والكعبة المشرفة، إلى حيث زمزم والركن والمقام، إلى حيث الصفا والمروة، وعرفة ومنى ومزدلفة، بقاع تعطرت أجواؤها ولا تزال بطيب أنفاس المصطفى صلى الله عليه وسلم - وتراب تشرف ولا يزال بخطوات قدمي رسول الله عليه ومعه الصحب الكرام - رضوان الله عليهم أجمعين - إلى حيث ولد ونشأ سيدنا محمد، إلى حيث استقبل آخر إرسال سماوي لهدى الأرض بنزول القران على رسول الله في حراء، وتم اختياره ليكون بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
- في هذه الأيام تتحرك جموع الحجاج من شتى بقاع الأرض من كل مكان ترتفع فيه كلمة التوحيد، ملبين نداء الحق الذي أرسله لعباده عبر أذان نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام، بعد أن رفع قواعد البيت الحرام في هذا البلد الآمن، أمره الله فقال له: ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات..) الحج / ٢٧ - ٢٨ يقول الإمام القرطبي:( لما فرغ إبراهيم - عليه السلام - من بناء البيت، وقيل له أذن فى الناس بالحج، قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلى البلاغ، فصعد إلى جبل أبى قبيس وصاح -: يا أيها الناس إن الله قد أمركم يحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة، ويجيركم من عذاب النار فحجوا، فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء لبيك اللهم لبيك، ومن أجاب حج على قدر الإجابة إن أجاب مرة فمرة، وان أجاب مرتين حج مرتين)، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في أصل التلبية. والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح: « بنى الإسلام على خمس: شهادة ألا اله الا الله وأن محمدا رسول الله..، وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا )، ويتميز الحج بأنه الركن أو الفريضة التي تجمع بين العمل البدني والإنفاق المالي فهو عبادة (بدنية مالية) ومفهوم الحج من الناحية الشرعية: قصد زيارة مكة المكرمة لأداء النسك من طواف ووقوف بعرفة وسعي وغيرها على الطريقة التي قالها وفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فى السنة العاشرة من الهجرة، وقال للصحابة: خذوا عني مناسككم لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا.
_وهو فرض في العمر مرة واحدة على المستطيع لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران / ۹۷، وقد اختلفت آراء العلماء في إيجابه على الفور أو التراخي.
- وهذا القصد لزيارة البيت الحرام لأداء المناسك، لابد يكون قصدا وتوجها قلبيًا وروحيا قبل أن يكون قصدا وتوجها بدنيا حتى تحقق الأهداف وتجنى الثمرات المرجوة منه، وصدق من قال: كم من واصل للبيت بجسده، مستلم للحجر بيده لم يصل "، وهو يعنى انعدام الوصول القلبي الذي يستشعر الحاج روحانيات هذه العبادة ولذتها، وإخلاص النية لله تعالى مبدأ رئيس، ومعيار أساسي في قبول كل عبادة وعمل، لحديث: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى... - ولذلك فإن من كان طامعا في غفران ذنوبه، ومحو سيئاته، وفتح صفحة جديدة مع الله عندما يكرمه الله بأداء هذه الفريضة، فعليه أن يخلص النية، ويجدد التوبة ندما على ما اقترفت يداه ولسانه، وردا للمظالم لمن أساء إليهم، وطلب العفو والسماحة منهم، ليذهب في هذه الرحلة الإيمانية طاهرا مظهرا قلبا وجسدا، وعليه أيضا أن يجعل نفقته من حلال، وأن يمارس أعمال الحج مبتعد ا عن التلبس بأي شكل من أشكال الرفث والفسوق والجدال، فهذه أوامر ربنا ونبينا، قال تعالى ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج...) البقرة (١٩٧ ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، فالجزاء المأمول المرتب على الحج وهو غفران الذنوب ليس مرتبطا بالحج فقط، بل الحج بشروط معينة.