الحج ومناسكه
في السنة العاشرة من الهجرة، والتي تعتبر أيضا في أخريات حياة النبي - صلى الله عليه وسلم، أدى رسول الله فريضة الحج، وهي آخر فرائض الإسلام وأركانه، حيث نزل قول الله - تعالى آمرا بها: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران / ۹۷، وكان ذلك في السنة التاسعة من الهجرة، ولكنها نزلت بعد فوات ميقات الحج زمانيا، لذلك انتظر رسول الله حتى جاء موعد الحج من السنة العاشرة.
وقد جاءت هذه الرغبة النبوية لأداء فريضة الحج بعد أن اكتمل بنيان دعوته ودولته، ورأى ثمار ذلك في تلك الوفود التي وفدت إليه من شتى بقاع الجزيرة العربية معلنين دخولهم في دين الله أفواجا، أو جاءوا مصالحين مهادنين، رأى رسول الله ذلك، فأحس بقرب نهاية مهمته، وبالتالي حياته، بعد رحلة طويلة وشاقة من الدعوة إلى الله والكفاح في سبيلها لما يقرب من ثلاثة وعشرين عاما، وولد ذلك كما يقول صاحب (الرحيق المختوم) “هاتفا خفيا انبعث في قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشعره أن مقامه فى الدنيا قد أوشك على النهاية، حتى إنه حين بعث معاذ بن جبل إلى اليمن سنة 10 من الهجرة قال له المودع: ”لعلك إن عدت تمر بمسجدي هذا وقبري".
وحتى يتم تبليغ الرسالة، وأداء الأمانة على الوجه الأكمل أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قصده حج بيت الله الحرام، ليتم أداء الركن الأخير فى آخر الحياة، والذي لن يلبث بعده رسول الله إلا قليلا ويختاره الله إلى جواره، وكان من تقدير الله - عز وجل أن يدور الزمان دورته ويعود كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وكما كان على عهد الخليل إبراهيم، لتكون حجة رسول الله في الميقات الزماني الذي قدره الله تعالى لمناسك هذه الفريضة العظيمة وينتفي عنها ما أحدثه أهل الجاهلية من التلاعب فى الأشهر الحرم، حتى أن اليوم الذي وقف فيه النبي الكريم بعرفة وافق بتقديراالله وفضله يوم الجمعة، فاجتمع للمسلمين عيدان، وأتم الله نعمته على نبيه والمسلمين بنزول قوله - تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” المائدة / ٣، وهذا أمر حسد تنا عليه اليهود، كما صرح بذلك أحد أحبارهم لأمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، ورد عليه عبقري الإسلام ردا أفحمه وألجمه.
- وفي يوم السبت الموافق 26 من شهر ذي القعدة يتحرك النبي الكريم من المدينة المنورة، ومعه جموع غفيرة من المسلمين أتت لتؤدى الحج معه، وأحرم من ذي الحليفة وهو ميقات أهل المدينة ويبعد عن مكة حوالى 450 كم، وهو أبعد المواقيت المكانية عن مكة المكرمة، وقد حدد رسول الله لأهل كل بلد أوجهة مكانا يحرمون منه، وقد بين ذلك لمن سأله: من أين نهل يا رسول الله؟ قال: يهل أهل المدينة من ذى الحليفة، وأهل الشام ن الجحفة، وأهل نجد من قرن، وأهل اليمن من يلملم)، وقال في حديث آخر حدد فيه مواقيت الإحرام المكانية (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن...)
- وعند الوصول إلى الميقات المكاني يغتسل الإنسان ويتجرد الرجل من ملابسه العادية، ويرتدى ملابس الإحرام، (الإزار والرداء) أما المرأة فتغتسل حتى ولو كانت في حال الدورة الشهرية وتحرم في ملابسها العادية، ويصلي ركعتين، وعند محاذاة الميقات يذكر الحاج نسكه، ويبدأ بالتلبية.
- وأنساك الحج ثلاثة ( قران - تمتع - إفراد)، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الرفاع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج، وأهل رسول الله بالحج..)، والقرآن: أن يحرم بالحج والعمرة معا فإذا وصل بكة طاف طواف القدوم، وله أن يسعى ويبقى على إحرامه حتى يطوف طواف الإفاضة.
- والتمتع: أن يؤدي عند وصوله مكة عمرة كاملة ويتحلل منها ثم يحرم للحج عند مجيئ أيامه، وهو أفضل الأنساك.
الإفراد: أن يحرم بالحج فقط.
والإحرام: ركن من أركان الحج.
يوميات الحاج المتمتع:
ونسك التمتع هو الذي ينويه ويجعله معظم الحجاج - ومنهم حجاج مصر - اغتناما لفضيلة الزمان والمكان. أولا: يحرم الحاج من الميقات ويلبس ملابس إحرامه متجنبا محظورات الإحرام (لبس المخيط - التطيب - حلق الشعر وقص الأظافر - الجماع ومقدماته..)، وينوي نسكه قائلا: اللهم لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، ويبدأ بالتلبية، ولا يقطعها الا عند دخول البيت الحرام.
ثانيا: عندما يصل مكة يؤدي مناسك العمرة (طواف - سعى - حلق أو تقصير للشعر)، ويتحلل منها إلى أن تأتي أيام الحج.
وتبدأ أيام الحج منذ يوم 8 من شهر ذى الحجة، الثامن من ذي الحجة “يوم التروية”، يجدد الحاج إحرامه ملبيا بالحج من محل إقامته لأنه داخل الحرم، ويخرج بعد الفجر إلى منى، ويصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء - قصرا لما يقصر ودون جمع، ويبيت بها في ذكر وتلبية وتسبيح. اليوم التاسع من ذى الحجة، (يوم عرفة)، بعد صلاة الفجر في منى ومع الشروق يتحرك الحاج من منى إلى عرفة ليقف بها، وهو ركن الحج الأعظم، ويصلي بعرفة الظهر والعصر جمعا وقصرا بأذان واحد وإقامتين، ويكثر من التلبية والتهليل والتضرع إلى الله خاصة في آخر اليوم، والمطلوب أن يتواجد الحاج في عرفة على أي وضع أو حال ولو نائما.
وبعد غروب الشمس يتحرك الحاج إلى مزدلفة ليلة العاشر، فإذا وصل إلى مزدلفة “المشعر الحرام”، يصلي المغرب والعشاء جمعا وقصرا للعشاء بأذان واحد وإقامتين، ويبيت بمزدلفة ويجمع منها حصى الجمرات 49 حصاة إن كانت نيته التعجل، أو 70 حصاة إن كانت نيته التأخر اليوم العاشر من ذى الحجة (يوم النحر)، ثم يفيض الحاج من مزدلفة بعد الفجر وعند الشروق إلى منى ليؤدي أعمال يوم النحر، وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء وأصحاب الأعذار بالدفع من مزدانة إلى منى بعد منتصف الليل.
وعند الوصول إلى منى يوم النحر يرمي الحاج الجمرة الأولى بسبع حصيات، ومع أول خاصة يرميها يقطع التلبية ويبدأ فى التكبير، ثم يذبح الهدي ويحلق شعره وله أن يعود إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، وهذه أعمال يوم النحر وتشمل (رمي الجمرات السبع - ذبح الهدي - حلق الشعر طواف الإفاضة)، والترتيب ليس بلازم بينها، فإذا فعل الحاج اثنين منها فقد تحلل التحلل الأصغر الذي يباح له به كل ما كان محظورا عليه بالإحرام إلا النساء، فإذا نفذ الأربعة فقد تحلل التحلل الأكبر والذي يباح له به كل شيء.
اليوم الحادي عشر من ذي الحجة “أول أيام التشريق”، يرمي الحاج الجمرات الثلاثة كل جمرة
بسبع حصيات، وكل رمي بعده رمي يقف الحاج ويدعو وكل رمي ليس بعده رمي يرمي وينصرف.
اليوم الثاني عشر من ذى الحجة “ثاني أيام التشريق”، يرمي الحاج الجمرات الثلاثة كل جمرة بسبع حصيات.
اليوم الثالث عشر “ثالث أيام التشريق”، يرمي الحاج الجمرات كل جمرة بسبع حصيات، فإن كان متعجلا عاد إلى مكة وخرج من منى قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر ولا إثم عليه، فإن تأخر إلى اليوم الثالث عشر فلا إثم عليه بل هو أفضل، ثم يؤدي طواف الإفاضة إن كان لم يطف، ويسعى بين الصفا والمروة سبعا.
فإذا أراد الرجوع والعودة لبلده فليودع البيت الحرام ويجعل الطواف، وهو “طواف الوداع”، آخر العهد به وللعلماء وأهل الفقه والمذاهب تفريعات وآراء ومذاهب، وعلى الحاج أن يتعلم من أحكام الحج ما تصح به عبادته.
وعلى الحاج أن يتضرع إلى الله سائلا إياه الإخلاص والقبول وأن يجعل حجه مبرورًا وسعيه مشكورا، وذنبه مغفورًا، ومن علامات الحج المبرور كما قال الحسن البصري __رضي الله عنه أن يرجع الحاج زاهدا فى الدنيا، راغبا في الآخرة، وأن يترك ما كان عليه من شيء العمل.
ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء فى الأرض، ولا في السماء.. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.