الإثنين 23 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أبي الغالي أنت عيدي وفرحتي بالعيد

القاهرة 24
مقالات
الثلاثاء 27/يونيو/2023 - 10:33 م

فرحتي بالعيد كانت مغايرة لجميع من حولي، فكان احتفالي بالعيد يأتي قبل قدومه، ويبدأ التجهيز  قبل نحو شهر من موعده، مجرد تحديد يوم العيد، تغمرني فرحة تفوق فرحة الأطفال، فكانت البهجة مقترنة بسفري إلى الصعيد وانتهاز  الفرصة لقضاء إجازة العيد باللمة وسط أهلي وفي كنف أبي وتحت رعايته، حيث المتعة الحقيقة بالجلوس معه والاستماع إلى أحاديثه

1

في اليوم المحدد للسفر، اتصالات أبي لا تتوقف،  متتبعا خط سيري وتحركاتي، قبل موعد السفر بساعات، رنات  الهاتف تتواصل على مدار اليوم، يهتز التليفون باتصال أبي:

_ فينك يا ولدي.. هتركب امتى  

- لسه يا بوي هركب بالليل،  عاوز حاجه اجيبهابك معاي

_ سلامتك يا ولدي، خلي بالك من نفسك

هذه المكالمة تتكرر كل ساعة تقريبا، كأنها مسجلة ومنسوخة.. الأسئلة معادة، ونبرة الصوت المليئة بالشوق الممزوج بالقلق ثابتة، لا يتغير فيها سوى المكان الذي تغير بفعل الزمان ومسير حركة القطار.. يعاود الاتصال مرة أخرى مع كل محطة تقريبا، حتى نصل إلى محطة أسيوط، لتعلن قرب انتهاء الرحلة:

_ فينك، وصلت فين دلوقتي

-خلاص يا ابوي انا داخل على أسيوط

_ حمد الله على السلامة يا ولدي نورت الصعيد كله.

2

في موعد السفر، تتملكني لهفة شديدة يغذيها الاشتياق إلى أبي وحضن أبي وحديث أبي، كل شيء يتم تجهيزه في لحظات، كنت أشعر بأن الأرض تطوى من تحتي طيا، لتقرب المسافة التي تزيد عن 450 كم، يقطعها القطار في نحو 8 ساعات متصلة.

كان بعد المسافة وطول رحلة السفر المملة، وضجيج القطار في الخارج، وصرخات الأطفال في الداخل يقطعها اتصال أبي، فكانت مكالمة أبي هي السبيل للحد من رتابت الرحلة والتهوين من عنائها،  فمكالمات أبي التي لا تهدأ، كانت انيسا ومؤنسا وكلمة السر في تغيير مزاجي من الزهق إلى التسلية، كانت الوقود والمحركات للسعادة، يرفرف قلبي فرحا ويرقص ابتهاجا، كلما اقتربت لحظات الوصول إلى أبي وتقبيل يديه والقرب منه.

في مقابل ذلك لم يكن لطول الرحلة سبيل في التغلب على عادة أبي والاستسلام  للنوم مبكرا كما كان يحب، فيظل أبي ساهرا حتى يطمئن على وصولي، ويفتح ذراعيه لاحتضاني قبل أن يفتح الباب.

3

بعد الانتهاء من كلمات الترحيب والحفاوة، يتطرق أبي إلى موضوعات عدة، يطمئن فيها على جميع أحوالي، يسرقنا الوقت في هذه الجلسة التي تمتد لساعات، مستمتعا بلذة الاستماع إلى أحاديثه الماتعة ونصائحه التي لا تنقطع والحث على صلة الأرحام وود الجيران والتواصل مع الأنساب الممتدة في ربوع البلدان.. "متنساش تزور عمك فلان وتعيد على بت خالك وتروح لبت عمك".. "معلهش يا ولدي ابقى خد أخوك وروح عزي بيت عمك فلان واجب برضو".

كان جل كلامه دروسا في التعريف بالأنساب وبشجرة العائلة الممتدة في البلدان، وتوطيد العلاقات مع الجيران والأحباب، فكان رحمه الله دائم الحرص على وصل حبل الوداد مع من نعرفه وحتى لمن لا نعرفه.

4

مع كل ضيف يأتي للتهنئة بالعيد، يحرص أبي على وجودي للتعرف على قرايبنا.. "ده عمك فلان" فكل الناس التي تعرفنا في نظره أقارب لنا، هذا ديدنه وعادته التي نشأ عليها، من حب الناس والتودد لهم والتقرب معهم.. يظل الباب مفتوحا طوال العيد، يستقبل محبوه وأقاربنا.

كان "حسه" يملأ البيت سعادة وفرحة ما بعدها فرحة،  فكان سندا وسندانا، عمودا لخيمتنا التي تنكست في غيابه ووردتنا التي ذبلت بوفاته، ومصدرا لثقتنا التي اهتزت في غيابه.. فاللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خير منها.

#اللهماغفرلأبي_وارحمه

تابع مواقعنا