إبليس البئيس والجيل التعيس
قديمًا منذ قرون طويلة لا يعلم كم تبلغ إلا الله وحده.. منذ خلق آدم، وهناك مخلوق بئيس يحشد الحشود، ويجنِّد الجنود ليل نهار.. ويحرق طاقات نفسية وذهنية خارقة، بلا ملل أو كلل؛ ليشفي غليلَ تعبِه المُضنِي انتشاؤه وهو يرى مليارات البشر وهم منساقون وراءه كالبهائم المبهمة.
خبرات متراكمة في التعامل مع جميع أنواع البشر بجميع تراكيبهم النفسية والذهنية والبدنية، تكسَّرت في أيامنا الغبرا على صخورٍ الرمال أخشن وأصلد منها.. جيل من الفشلة مُحيِّر.. والبئيس بخبرته الفائقة وذكائه الجامح لا يدري هل ما يفعلونه إراحة له، أم إفشال لعبقريته التكتيكية، أم أنها نيران صديقة تأتيه من بين أيديه ومن خلفه وعن أيمانه وعن شمائله؟
ومهما تكن الإجابة، فجميعها تُوصِّل لنتيجة واحدة، وهي الإحباط الذي يتملكه.. ترليونات خسارة على كل كَدْحِه الذي بات هباء منثورًا.. جيل جديد يؤمن أن الكرة الأرضية لم تشهد أصيعَ منه، ولا أبلطجَ منه (صيغة التفضيل من بلطجي)، وهو في حقيقة أمره بلغ قاع الفشل، حتى صار فاشلًا في الفشل.
كان إبليس البئيس مِسَسْتِم حياته على حسن اختيار أدواته لتزيين الفواحش، فجاء هذا الجيل، وأقحمَ نفسه في مجال مش بتاعه، حتى كرَّه الناس في الرذيلة، فصارت شيئًا مقززًا.
أذكر مثلًا أن البلطجي كان شيئًا يملأ العين، ويُفزِع القلب، ويُطبِق على الصدر، ويرعد المفاصل، كما كان اللص دكتوراه فخرية في السرقة بمهنية تستحق التقدير، ولا أنسى طبعًا المُزَزَ (أيام ما كانت مزز) التي تجعل المسلم الملتزم يكافح وينافح ويحافر؛ تجنُّبًا للوقوع في الرذيلة، وحفاظًا بشِقِّ الأنفس على عفته.
الآن صارت العفة أمرًا يسيرًا لمن لديه الحد الأدنى من الذوق، عندما يرى مخلوقات مشوهة تتصدر مشهد الإغراء والفتنة، وصار اللص أخيبَ من الخيابة، وحتى البلطجي شاب مسلوت، تحس وكأن نخاعه الشوكي انسحب منه، أو متلصم.
فوضى الرذيلة جعلت كل من هب ودب يدخل المهنة، ويعمل فيه أسطى، فأفسدوها.
يا حسرتك يا إبليس.. خسرت آخرتك بسبب النفسنة على بشر لا يستحقون مجهودك الهائل.. ويا لعنتك أنك لا توبة لك ولا رجوع عن طريق تَبيَّنَ لك بعد فوات الأوان أنه طريق هالك متهالك، تملؤه مطبات.
ولكن مثلك لا يستحق الشفقة؛ فنفسيتك الخبيثة طمست حدة ذكائك، حتى أطاحت بك من أعلى مكانة إلى أسفل سافلين.
ونصيحتي لك بدل أن تنهشك الحسرة، خذ الأمور على محمل حسن؛ من باب التفاؤل، أو الروح الرياضية.. فالجيل الجديد، رغم فشله في الفشل، إلا أنه مُشرَّد تلقائيًّا دون حاجة لخدماتك؛ فهو مُنكَبٌّ على الرذائل من تلقاء نفسه، يتعاطاها كما يتعاطى الاستروكس، فاجلس واسترح، ووفِّر مجهودك؛ فلم يعد البشر بحاجة لخدماتك؛ حتى لا تُصدَم بردِّ أحدهم؛ لأنه جيل لميض: هذا ربي، أعصيه أطيعه، وانت ما لك؟ خاصة أن في سيستم الجيل أنه في أي لحظة يمكن أن يفيق من غفلته، ويعود إلى الله في أي لحظة، وتجد وقتها أن الفاشل الذي كان يفقع مرارتك صار إنسانًا آخر، بمعنى كلمة إنسان، فيضاعف حسرتك.
أتدري السر في هذا؟ النفخة التي من روح الله، فإذا انطلقَت فإنها تحيلك إلى أَهَشَّ من الرماد يا وحش ناري، فلا تُضيِّعْ ما تَبقَّى من عمرك ونحن على مشارف الآخرة بالتعذيب بالأمل، وفِّرْ طاقة تعذيبك للآخرة التي تنتظرك؛ ففي النهاية تبقى الحكمة الأزلية الأبدية: عدو ذكي ولا صديق جاموسة.