خطيب الجامع الأزهر: القرآن يهدي الفطرة إلى الإقرار بإله واحد تجب عبوديته
قال الدكتور محمود الهواري الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، إن الله عز وجل قد تفضل على هذه الأمة بنعم لا تعد ولا تحصى، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وإن من نعم الله على هذه الأمة هذا الكتاب الكريم الذي لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.
وأضاف في خطبة الجمعة من الجامع الأزهر اليوم، أن آيات القرآن التي تجاوزت ستة آلاف آية كلها هدى ونور، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾، وحري بالمسلم أن يتأمل هذا القرآن ويتدبر آياته.
وتابع: ولكني أتوقف عند آية واحدة، أحاول أن أتأملها، فالله عز وجل يقول: ﴿إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، يقول الشنقيطي –رحمه الله- في أضواء البيان: وهذه الآية الكريمة أجمل الله جل وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة.
وأكمل: لا عجب فقد ذكر أحد العلماء حول معنى هذه الآية ألفين وثمانمائة وجه لمعنى قول الله تعالى: يهدي للتي هي أقوم في كل سبيل، يهدي للتي هي أقوم في العقيدة والاستجابة للفطرة، يهدي للتي هي أقوم في الدعوة للعمل الصالح، يهدي للتي هي أقوم في العلاقات بين الناس والمجتمعات، يهدي للتي هي أقوم في الأخلاق والآداب، يهدي للتي هي أقوم في الحروب والمعارك.
وقال، إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم في العقيدة والاستجابة للفطرة ومخاطبة العقل فهو يوجه الفطرة للاستجابة لله، والإقرار بوجوده، ومن ثم عبادته، يقول الله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
وأردف: نفس المعنى الَّذي أيدت فيه السنة القرآن ففي الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾.
القرآن يربط بين الإيمان والعمل فلا يتصور من المسلم أن يكون إيمانه عاطلا
وتابع: فهو يهدي للتي هي أقوم في مخاطبة الفطرة التي لا تقبل إلا أن يكون للكون إله، لا أن يكون هذا الخلق بما فيه من إبداع وتنويع واختلاف وتغير عن عبث، أو أنه وليد الصدفة، ويهدي للتي هي أقوم فلا يقبل أن يكون للكون ألهان أو ثلاثة ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: 22].
ولهذا أمر بالعبادة في أول فعل أمر ورد في القرآن، قال تعالى: «يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ» وخلق الخليقة لأجله، «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].
وأوضح، أن قوة العلاقة بين الإيمان والعمل، تأملوا كيف ربط القرآن بين الإيمان والعمل الصالح، بحيث لا يتصور من المسلم أن يكون إيمانه عاطلا عن العمل، وإنما هو إيمان متحرك نافع، فأنت ترى في القرآن هذا التلازم بين الإيمان والعمل الصالح في خمسين موضعا في القرآن، ومنها قوله تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا" وقوله تعالى: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"ولم يجعل العمل الصالح مجرد إحسان أو تفضل، وإنما ربطه بالآخرة، ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾
ولم يفرق الإسلام في العمل الصالح بين ما يكون متعلقا بالدين والدفاع عنه، وما يتعلق بالأخلاقيات التي تصون المجتمع فإن النبي صلى الله عليه وسلم وعد بالجنة من باتت عينه ساهرة تحرس في ميدان القتال، ووعد بالجزاء نفسه العين التي غضت عن محاسن امرأة لا تحل له.