الهجرة النبوية هجرة روحية وإنسانية
الهجرة النبوية تعتبر ولادة للدولة الإسلامية، فهي بمثابة قفزة نوعية للرسالة الإسلامية وانتقال من الضعف والظلم إلى القوة والعزة.
ورغم مرور قرون على هذا الحدث التاريخي العظيم؛ إلا أن دروسه وعبره ما زالت قائمة، كما أن ذكراها تبعث فينا أروع مشاعر التفاؤل بأن الفرج قريب.. هكذا كان وعد الله جل جلاله (سيجعل الله بعد عسرٍ يُسرا)، وهكذا كان وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة).
وتأتي الهجرة النبوية لنأخذ منها درسا مهما وعظيما، ألا وهو التغيير والانتقال من كل حال سيء نعيش فيه إلى واقع أفضل، فلا نستسلم للأوضاع السيئة التي تحيط بنا، بل واجب علينا أن نغير واقعنا إذا لزم الأمر.
العالم الإسلامي اليوم يحتاج إلى هجرة روحية وهجرة إنسانية، فالهجرة الروحية هي أن تهاجر من وحل الخطايا إلى نعيم الطاعة، أن تهاجر من وحل الذنوب والخطيئة والتي هي سبب التعاسة والإحباط في الحياة، إلى حالة القرب من الله بالطاعة والعبادة التي هي مصدر السعادة والرضا.
ولن تتحقق هذه الهجرة الروحية إلا بمقاطعة كل السلوكيات والعادات السيئة التي تحبها النفس، والتمسك بعقيدة إيمانية راسخة تجعلنا نجد نعيما في الطاعة والعبادة.
وبهذه الهجرة سننتقل من حياة تعيسة لا معنى لها إلى حياة روحانية سعيدة، وهذا ما نطمح إليه جميعا وهو الهدف الأسمى من وجودنا في هذه الحياة.
أما الهجرة الإنسانية فهي الهجرة من كل قول أو فعل لا يمثل الإنسانية في شيء، فلقد كانت الهجرة النبوية مثالا للإنسانية والرحمة والتعاطف والتحابب والإيثار.
وكانت مثالا للتعاون والتضامن والإنسانية، ترك المسلمون منازلهم وأموالهم في مكة ليشاركوا في بناء مجتمع تسوده الأخوة والمحبة والعدالة بين الناس.
وكان الأنصار في أتم استعداد لمساعدة المهاجرين وتقاسم الموارد وحتى الزوجات لتلبية احتياجات الجميع، فعلوا ذلك دون أي تمييز، فلم يكن هناك تمييزا بين الأغنياء والفقراء، أو العرب وغير العرب.
فعلوا ذلك فقط إرضاءً لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهنيئا للأنصار وهنيئا للمهاجرين.
فمتى نهاجر نحن إلى الإنسانية وندرك معانيها، فإن الإنسانية ما وجدت في شخص إلا وحققت له نظافة في القلب وسموا في الروح، فمن يبذل الإنسانية ويسلك طريقها يجن ثمارها في الدنيا والآخرة ويبقي اسمه حاضرا لا يغيب بين كلمات دعاء ملهوف أغاثه، أو صاحب كربة فرج عنه، أو نصرة مظلوم، فهو وإن كان تحت التراب فروحه حاضرة بسبب إنسانيته.
كم هو محروم فعلا مَن لم يعرف الإنسانيَّة، ومن لم يدرك معانيها، فبفقدانه الإنسانية يفقد بذلك ميزته وتميزه الذي ميزه الله بها على سائر المخلوقات. رزقنا الله وإياكم الإنسانية في كل أفعالنا وأقوالنا.
هذا شيء قليل من دروس الهجرة النبوية الشريفة، صلى الله على صاحب الهجرة.
فنسأل الله لنا ولكم هجرة من وحل الخطايا إلى نعيم الطاعة.. اللهم آمين.