كلينت إيستوود.. أسطورة السينما الخالدة

كلينت إيستوود.. واحد من أشهر نجوم هوليوود الذين سطعوا في الستينيات، واستمر وهجه زمنا طويلا، وهو من الشخصيات القليلة في صناعة السينما التي تستحق أن تعرَّف أنها بمثابة سينما وحدها؛ فهو يمثل ويخرج ويشارك في تأليف السيناريو وينتج أفلاما، وقد يولف الموسيقى التصويرية، كما أنه عازف ساكسفون لا بأس به ويمتلك مواهب أخرى.. مثّل إيستوود أكثر من 73 فيلما وأخرج نحو 46 فيلما، وهو مخضرم وشاهد على السينما من خمسينياتها حتى الآن.

كلينت إيستوود قبل السينما.. طفولة قاسية وحياة بعد موت

ولد كلينت في  31 /5 / 1930، وعاش طفولة قاسية خلال فترة الكساد الاقتصادي في أمريكا؛ حيث عمل في مهن مختلفة، ثم التحق بالخدمة العسكرية لمدة 4 سنوات، وفي 1951 كان كلينت إيستوود –البالغ حينها 21 عاما- رفقة طيار يستقلان طائرة عسكرية، فتعطلت الطائرة بهما وهبط قائدها اضطراريا في المحيط المليء بأسماك القرش وسبح الجندي كلينت إيستوود أكثر من 50 ميلا – على حسب تقديره- حتى وصل إلى شاطئ بوينت ريس شمال كاليفورنيا، وكُتب له عمر جديد.

هوليوود.. أحلام النجومية

وبعدما أنهى إيستوود خدمته العسكرية، قرر أن يصبح نجما سينمائيا؛ فهاجر إلى هوليوود بهدف التمثيل، وأخذ يتردد على مكاتب الكاستينج وشركات الإنتاج، وواجه الرفض أكثر من مرة، ونصحه  المنتجون والمخرجون بدراسة التمثيل والاجتهاد ليكون مؤهلا، ولم ييأس كلينت وأخذ يعيد المحاولات، ومن 1955 نجح في العمل بأفلام حققت نجاحا متواضعا وبأجور زهيدة، ولكنه على الأقل وضع قدمه في الصناعة الهوليوودية، ثم تعاقد على مسلسل رعاة البقر روهايد الذي عرض خلال الفترة من 1959 حتى 1965.

ملك الويسترن بلا منازع

وفي 1964، كان المخرج الإيطالي سيرجيو ليوني يعمل على أول فيلم له من نوعية (سباجيتي ويسترن) بحث ليوني عن بطل لفيلمه، ولم يوافق نجوم هوليوود لقلة الأجور في السينما الإيطالية مقارنة بأجورهم في هوليوود، وقلة شيوعها للجمهور في الولايات المتحدة مقارنة بشيوعها في أوروبا، كما أن سيرجيو ليوني مخرج في بداية مسيرته –آنذاك- ولا نجم يفضل أن يخاطر مع مخرج مبتدئ، ولهذه الأسباب لم يجد سيرجيو ليوني بطله، حتى اتفق مع كلينت إيستوود ولم يكن ليوني مقتنعا بإيستوود أول الأمر، ولكنهما صنعا معا أشهر ثلاثية في تاريخ الويسترن:
- For A Few Dollars More (1964)، The Good The Bad and The Ugly (1966)، A Fistful Of Dollars  (1967)

واقترن اسمه بالويسترن اقترانا لم يكن لممثل غيره هذا القدر منه، وعاد إلى هوليوود نجما من نجوم الصف الأول.. تتنافس عليه شركات الإنتاج لأفلام رعاة البقر أو لغيرها؛ فطول إيستوود البالغ أكثر من 190 سم بالإضافة إلى قوامه الرياضي ووسامته، جعلته مطلوبا للعديد من الأدوار، حتى أصبح مع نهاية الستينيات النجم الأعلى أجرا في العالم، ومع دخول السبعينيات استمر سحر أفلام الويسترن ورواجها وتحمس الجمهور وترقبه إلا أن كلينت إيستوود أدى دورا في 1971 في واحد من أروع أفلامه البعيدة عن الويسترن، Dirty Harry  الذي نجح نجاحا واسعا دفعه إلى إعادة تقديم الشخصية نفسها في أفلام أخرى.

كلينت إيستوود مخرجا

وكشف إيستوود عن موهبته الإخراجية في 1971؛ حيث أخرج أول فيلم طويل له Play Misty For Me، وأدى دور البطولة به، ومن حينها راح يخرج فيلما كل عام تقريبا، قد يمثل في الفيلم أو يؤدي دور البطولة أو لا يمثل، قد يكون الفيلم ويسترن أو رومانسيا أو بوليسيا أو غيرها، وتباينت تجاربه السينمائية بين النجاح والإخفاق.

ولما كان عام 1992 قرر إيستوود أن يغامر بصناعة Unforgiven؛ فيلم ويسترن جديد يخرجه ويؤدي دور البطولة به، بالاشتراك مع مورجان فريمان؛ لم تكن أفلام الويسترن رائجة وتحظى بالشعبية نفسها التي تمتعت بها في الستينيات والسبعينيات؛ عرض الفيلم، وحصد جائزة أوسكار أفضل مخرج، كما حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم.

وأخرج في 2003 Mystic River ؛ بطولة شون بين وتيم روبنز ولم يمثل إيستوود به، وحصل الفيلم على 54 جائزة بينها جائزتا أوسكار عن أحسن ممثل وأحسن ممثل مساعد، كما رشح الفيلم لجائزة أحسن فيلم.

وفي 2004 أخرج وأدى دور البطولة في فيلم Million Dollar Baby، وترشح الفيلم لـ 7 جوائز أوسكار حصد منها 4، وهي: جائزة أفضل ممثلة لهيلاري سوانك، وأفضل ممثل مساعد لمورجان فريمان تميمة الحظ بالنسبة لإيستوود، وللمرة الثانية في مسيرته يحصل إيستوود على جائزة أفضل مخرج، كما ترشح لجائزة أفضل ممثل ولكنه لم يحصل عليها.

واستمر كلينت إيستوود في تقديم فيلم كل سنة تقريبا، وفي 2014 أخرج American Sniper، ورشح لجائزة أفض فيلم ولكنه لم يحصل عليها، واستمر حتى عام 2021 حين أخرج Cry Macho  وأدى دور البطولة به، وكان من المتوقع أن يكون فيلمه الأخير، إلا أن إيستوود لم يرض بأن يودع السينما بهذا الفيلم؛ لذلك عكف على قراءة السيناريوهات والقصص واستقر على توديع السينما والحياة بفيلم أخير بدأ تصويره منذ أيام Juror No 2، بعد أن تخطى عمره الـ 93 عاما وبدا أن لا شيء يبعد إيستوود عن السينما إلا الموت.

كلينت إيستوود.. التمسك بالحياة

لم يحصل إيستوود على جائزة أوسكار عن التمثيل رغم تكرار ترشحه، لكنه حصل على جوائز أخرى أبرزها جائزة إنجاز العمر من معهد الفيلم الأمريكي في 1996، كما أن كلينت إيستوود محبوب جدا لدى الأمريكيين؛ حيث يرى الكثير منهم أنه يمثل وجه أمريكا وقيمها، وله العديد من المواقف السياسية أبرزها معارضته لحرب العراق، وهناك مقولة تقول: قد يغفر لك الأمريكيون إلحادك وشيوعيتك.. لكنهم لا يتسامحون مع كرهك لكلينت إيستوود.

وختاما، بعيدا عن موهبته وفنه ممثلا أو مخرجا، يضرب إيستوود مثالا في التمسك بالحياة.. والتفاني والإخلاص والشغف وبذل ما في الروح من نفس حتى الموت... في سبيل ما يحب أن يعمل.