الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة.. موضوعًا لخطبة الجمعة اليوم
حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة اليوم 21 يوليو 2023، والتي جاءت تحت عنوان: الأخذ بالأسباب في الهجرة النبوية المشرفة.
وأكدت وزارة الأوقاف في بيان لها، أنه يجب على جميع الأئمة الالتزام بموضوع الخطبة نصًّا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة عن عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية.
نص خطبة الجمعة اليوم
وجاء نص الخطبة اليوم كالتالي: الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذَ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هي الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا مُحَمَّدًا عبده ورسوله، اللَّهُمَّ صَلَّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحيه ومَنْ تَبِعَهُمْ.
وبإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فإن المتأمل في الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة يستنبط منها دروسًا عظيمة وفوائد جمة من أهمها ضرورة الأخذ بالأسباب، فالأخذ بالأسباب سنة كونية، حيث جعل الحق سبحانه لكل شيء سببا، كما أنه عبادة إيمانية فديننا دين التوكل والأخذ بالأسباب والعمل لا التواكل والضعف والكسل، حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكَّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا.
لذلك، اعتنى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بالأخذ بالأسباب في الهجرة عناية فائقة، حيث خطط صلى الله عليه وسلم للهجرة تخطيطًا واعيًا، واتخذ كل الوسائل التي تعينه على إنجاح مهمته، وفي الوقت ذاته كان قلبه متعلقا بربه عز وجل، يدعوه ويستنصره أن يكلل سعيه بالنجاح، فجمعت بذلك الهجرة النبوية المشرفة بين حسن التوكل على الله عز وجل وحسن الأخذ بالأسباب.
فكان التوقيت المناسب للخروج للهجرة مختارًا بعناية حيث جاء نبينا صلى الله - عليه وسلم إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه في وقت شديد الحر حتى لا يراه أحد، وكان الخروج ليلا من بيت أبي بكر رضي الله عنه، فعن السيدة عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) إلا يَأْتِي فِيهِ بَيْت أَبي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَي النَّهَارِ، فَلَمَّا أَذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَرُعْنَا إِلَّا وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا، فَخَبْرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) فِي هَذِهِ السَّاعِةِ إِلا لأمْرٍ حَدَتْ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لأَبي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هُمَا ابْتَايَ يَعْنِي: عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ، قَالَ: أَشْعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخَرُوج، قَالَ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الصُّحْبَةَ.
كما بلغ الاحتياط عند النبي مداه، فاتخذ طرقًا غير مألوفة واستعان عليه الصلاة والسلام بشخصيات ماهرة حكيمة لتعاونه في شئون الهجرة ووضع كل فرد في مكانه المناسب، الذي يحسن من خلاله القيام بمهمته على الوجه الأكمل، فنام علي بن أبي طالب رضي الله عنه مكان نبينا صلى الله عليه وسلم تمويها على المشركين وأداءً لأمانات القوم، وكان دور عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما مهما في استطلاع الأخبار ورصدها.
وتألق دور المرأة في الهجرة النبوية المباركة، حيث كانت ذات النطاقين السيدة - أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تحمل الغذاء للنبي (صلى الله عليه وسلم) ولأبيها الصديق رضي الله عنه كما كان عامر بن فهيرة يقوم بدور التمويه بأغنامه التي كانت تمحو آثار سير النبي (صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضوان الله عليه)، كما كان عبد الله بن أريقط دليل الهجرة الأمين وخبير الصحراء البصير، مع أنه لم يكن مسلما.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. إن تدبير نبينا صلى الله عليه وسلم) للأمور في الهجرة المشرفة على نحو دقيق قد تكامل مع اعتماده صلى الله عليه وسلم على ربه جل وعلا وثقته في نصره وتأييده (عز وجل)، فعن أبي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرْنَا، فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثالثهما، ويقول الحق سبحانه: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا َثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فكانت عناية الله تبارك وتعالى تحيط بنبيه ومصطفاه (صلی الله عليه وسلم).
فما أحوجنا إلى الأخذ بالأسباب في حياتنا كلها، تعلما، وتعليمًا، وتخطيطًا، وعملا، وإنتاجا، وإتقانا مع اعتماد القلب على الله (عز وجل) وحده، فهو سبحانه مسبب ألم تر أن الله قال لمريم وهزي إليك الجذع تساقط الرطب ولو شاء أن تجنيه من غير هزها جنته ولكن كل شيء له سبب اللهم ارزقنا حسن التوكل عليك.