مأساة للملايين | ندرة أدوية الغدة تهدد حياة المرضى والأجنة.. والسعر بالسوق السوداء يصل إلى 1200 جنيه | تحقيق
الغذاء والدواء من ضروريات استمرار الحياة، وإذا كان الأول يمكن التنوع في أصنافه وكمياته أو حتى الصيام عنه، إلا أن الدواء لا غنى عنه فهو مرتبط بكمية وجرعة وتوقيت محدد لا يمكن العدول عنها، لا سيما إذا كان مستخدمه يعاني من أمراض مزمنة، ولا نبالغ إن قلنا إن الحياة دونه تعد دربا من دروب المستحيل، ولا يخفى علينا كم علت صيحات مرضى الغدة الدرقية خلال الفترة الماضية، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بشكوى نقص دواء التروكسين وإيثروكس المستورد من الصيدليات، وكذلك بعض البدائل المحلية، والمستخدمة في معالجة حالات خمول الغدة الدرقية.
ومؤخرًا اخترقت استغاثات المرضى وتعليقاتهم الصفحة الرسمية لوزارة الصحة والسكان، وكذا هيئة الدواء المصرية، وسط عروض بتوفير العلاج المستورد، لكن بأسعار مرتفعة تتخطى الـ500 جنيه للعلبة الواحدة، ورفض بعض المرضى للمثيل المحلي بزعم عدم جدوى فاعليته في تحسن الحالة الصحية.
رحلة معاناة لتوفير المنتج المستورد والبديل المحلي ناقص
هبة أبو العزم، مريضة غدة درقية، تعاني من صعوبة توفير الدواء المستورد أو المحلي، فأخذت على عاتقها المرور على الصيدليات بحثا عن الدواء المقرر من الطبيب، وهو إيثروكس 100 مكجم المستورد أو مثيله الأجنبي التروكسين 100 مكجم، قائلة: انا استأصلت الغدة كاملة وانقطاعي عن الدواء يهدد حياتي وممكن اتصاب بتوقف مفاجئ بعضلة القلب.
وبعد عناء لجأت في نهاية الأمر إلى شراء المثيل المصري، لكن بتركيز 50 مكجم، وهو أقل من المحدد لها من الطبيب المعالج، لتضطر إلى زيادة عدد الأقراص لتحقيق الجرعة المطلوبة وهي 200 مكجم في الصباح الباكر.
لم تشعر هبة أبو العزم بتحسن مع استخدام البديل المصري، حسب قولها، لكنها قررت في النهاية الاستمرار عليه فلا خيار غيره، ورغم رضاها بالمثيل المصري لحين توافر المستورد، فإنها اصطدمت بعدم توافر المنتج المحلي بالصيدليات في الوقت الراهن.
نقص أدوية علاج الغدة واليود المشع
لمست الدكتورة غادة الخطيب، استشاري الغدد الصماء، نقص دواء التروكسين بتركيزاته 50 و100 مكجم لمرضى خمول الغدة الدرقية منذ 6 أشهر ماضية، من خلال شكوى المرضى من عدم توافره في الصيدليات، لتشهد الأزمة مؤخرًا تفاقمًا، تمثل في تراجع بعض البدائل المحلية.
وأشارت الدكتورة غادة الخطيب، لـ القاهرة 24 إلى وجود نقص كذلك في اليود المشع المستخدم في علاج حالات نشاط الغدة الدرقية، خصوصًا في الصعيد، مؤكدة توافر البدائل في التأمين الصحي.
لم تقتصر الأزمة على أدوية علاج خمول الغدة الدرقية، بل شملت مؤخرًا أدوية علاج زيادة نشاط الغدة، وذلك حسب تصريحات الدكتور أشرف السعيد، استشاري كلى وغدد صماء، موضحا أن مرضى زيادة نشاط الغدة الدرقية يعتمدون على دواء كاربيمازول "Carbimazole"، هو غير متوافر في الفترة الحالية.
وأضاف الدكتور أشرف السعيد، أن بديل دواء كاربيمازول، هو دواء ثيروكاربين، الذي شهد أيضا تراجعا في الفترة الأخيرة بالسوق المصرية، ما يدفع المرضى للتردد على ما يسمى بالسوق السوداء وشرائه بأسعار مبالغ فيها.
وواجه كل من الدكتور أشرف السعيد، والدكتورة غادة الطيب، استشاري الغدد الصماء، أزمة نقص المنتج المستورد، من خلال كتابة البدائل المحلية في الروشتات الطبية التي تحتوي على نفس المادة الفعالة والتركيز، والتشديد على المرضى بشراء أي منتج دوائي يحتوي على نفس المادة الفعالة سواء مصري أو مستورد.
البدائل متوافرة لكن لا تفي باحتياجات السوق المصرية
من جانبه، أكد الدكتور حاتم البدوي، أمين عام شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية، أن نقص دواء الغدة ليس وليد اليوم، فكان له بوادر مسبقة، والمريض أول من استشعر بها، ونتج عنها الخوف من النقص والبدء في زيادة الإقبال على الشراء وتخزين العبوات، وبعد نفاد المستورد، توجه إلى المثيل المحلي لتخزينه، مما أفضى إلى وجود عجز وعدم توافر في المستورد والمثيل الأول والثاني بالسوق المصرية.
وأشار إلى أن المثائل المحلية متوافرة لكنها لا تشبع احتياجات السوق المصرية، موضحًا أن شركات التوزيع تورد له شهريا 2 علبة من الدواء المحلي نظير شراء كميات محددة من أدوية أخرى، وهو ما يسمى بنظام المقايضة أو الكوتة.
تشوهات أجنة أو غيبوبة.. تأثير انقطاع دواء الغدة
تأثير انقطاع مريض خمول الغدة الدرقية يشكل خطرًا على حياته يصل إلى غيبوبة خصوصًا مع أصحاب الجرعات الكبيرة، وذلك حسب قول استشاري الغدد الصماء، الدكتور أشرف السعيد.
وأوضح الدكتور أشرف السعيد، لـ القاهرة 24، أن أقصى فترة انقطاع عن الدواء أسبوع، وفي حال تخطي الأسبوع تظهر أعراض تتمثل في الكسل وقلة التركيز والنوم، وبالزيادة عن أسبوعين يدخل المريض في غيبوبة، خصوصا من يتلقى جرعات كبيرة 300 أو 250 مكجم.
وأضاف، أن انقطاع دواء علاج خمول الغدة الدرقية في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل كارثي، قد يتسبب في تشوهات خلقية للجنين، فضلا عن ضرورة مناظرة المصابة للطبيب فور علمها بالحمل لإعادة ضبط الجرعات وزيادتها عن المعدل، لضمان عدم حدوث مضاعفات على الجنين، مؤكدا عدم قدرة الحامل عن الانقطاع أسبوع عن الدواء.
من جانبها، أكدت الدكتور غادة الخطيب، استشاري الغدة الدرقية أن انقطاع مرضى نشاط الغدة الدرقية عن الدواء يشكل خطورة على عضلة القلب مما قد يتسبب في حدوث رفرفة أذينية، وإجهادًا لعضلة القلب.
تشبث المريض بالمستورد خلق سوقًا سوداء
نقص دواء الغدة الدرقية المستورد في السوق المصرية، وما يروج له من جودة فاعليته عن نظيره المصري، خلق حالة من السوق السوداء، وفتح الباب للبعض لأجل التربح منه، من خلال بيع المنتج بثمن وصل إلى 1200 جنيه، وهو ما عانى منه محمد محمود، زوج مريضة غدة درقية.
أيضا أوضح محمد محمود، لـ القاهرة 24 أن زوجته مصابة بخمول في الغدة الدرقية، وقبل نفاد العلبة الأخيرة قرر البحث عن دواء التروكسين 100 مكجم، في كثير من الصيدليات، ليجد الدواء بسوق غير رسمية بسعر وصل لـ 1200 جنيه، مع ضرورة الحجز المسبق.
وأكد محمد محمود عدم سعيه للحصول على البديل المحلي، مبررا: "سمعت إنه مش أفضل حاجة، وده من خلال شكاوى المرضى على مواقع التواصل الاجتماعي من البديل المصري، والحمد لله أنا مقتدر وقادر إني أشتري المستورد".
المنتج المصري فاعل وتحذير من أدوية مهربة ومغشوشة
شكوى بعض المرضى من عدم جدوى المنتج المصري في علاج خمول الغدة مقارنة بالمستورد، من وجهة نظر الدكتور علي عبد الله، رئيس المركز المصري للدراسات الدوائية، أنه اعتقاد خاطئ، مؤكدا أن شعور بعض المرضى بعدم التحسن مع المنتج المحلي عامل نفسي فقط.
وأضاف علي عبد الله، أن أدوية الغدة حساسة جدًا، وعلى المريض تناولها بالطريقة والتوقيت الصحيح، موضحًا، أنه يجب على المريض الحصول على الدواء قبل الساعة 7 صباحا، وتناول الإفطار بعده بنحو ساعة، لتحقيق الاستفادة من المنتج، وهو ما لا يعلمه عدد من المرضى.
من جانبه، أكد الدكتور حاتم البدوي، أمين عام شعبة أصحاب الصيدليات، ضرورة معرفة المريض أن تغيير دواء هرموني بآخر بنفس المادة الفعالة والتركيز لكن شركة أخرى، يحتاج لبضعة أيام كي يتعود عليه الجسم، مشيرا إلى أن الاختلاف بين الشركات ليس في المادة الفعالة إنما في المواد المضافة التي لا تؤثر على فاعلية الدواء.
وحذّر البدوي من اللجوء إلى شراء الدواء المستورد المعروض على الإنترنت لأنه مغشوش ومجهول المصدر، فمن الممكن أن تكون عبارة عن بودرة سيراميك أو أسمنت، مطالبا كذلك المواطنين بالإبلاغ عن أي صيدلي يبيع الدواء بسعر أعلى من المسعر به جبريا أو علبة مهربة.
تدبير العملة الأجنبية يحدٍّ من توفير الدواء المستورد والمحلي
نقص دواء الغدة المستورد وتراجع توافر المنتج المحلي يرجع إلى تحدي تدبير العملة الأجنبية، لشراء الدواء في صورته النهائية أو المواد الخام للتصنيع المحلي، وذلك حسب تفسير الدكتور جمال الليثي، رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات.
وأضاف رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، أن هناك كميات من المنتجات الدوائية عالقة في الموانئ والمطارات المصرية، قيد إنهاء الإفراج الجمركي عنها بتدبير العملة.
وعدد رئيس غرفة صناعة الدواء، الشركات المنتجة للمثيل المستورد من أدوية الغدة محليا وهي 4 شركات مصرية تنتجه، فضلا عن 6 شركات أخرى سجلت المنتج الدوائي بهيئة الدواء المصرية، وفي انتظار الخامات لبدء التصنيع والإنتاج، مشيرًا إلى الاجتماع مع الوزراء المعنيين لحل المشكلة.