سندريلا قصر النيل تبحث عن كيّيفِة الشاي
في تمام الساعة التاسعة ونصف مساءً، جمعتنا منطقة وسط البلد أنا وصديقاي أحمد الضبع وناجي أبو مغنم؛ تناولنا وجبة الغداء ومن ثم أخذنا الشّوق للمشي على كوبري قصر النيل.
كان الجو يبدو منعشًا، فضحكات الشباب تتعالى فوق صوّت بائع الفريسكا الذي يغازل المحبين بكلمات رقيقة، يروج بها لبضاعته التي أتلفها السير "رايح جاي" على طول الطريق، ولكنني كنتُ في عالم آخر، وفي منتصف الكوبري قلت جملتي المعتادة: "إيه يا رجالة ماتيجوا نفط من نص الكوبري ونعافر قصاد الموج ويا إحنا نعيش أو يسحبنا الموج"، ليضحك الأخوان معلقين: "يا أخي كفايا الجملة دي مزهقتش منها!".
سرحت في جمال النيل وهبته التي تمنح الحياة للمصريين، وفجأة وقعت عيناي على فتاة تبدو في منتصف العشرينيات على خدها طابع الحسن، وشفتاها كالشمع الأحمر ترسم بها ابتسامة آسرة هي تنادي علينا: "شاي يا أستاذ.. شاي يا باشا"، فنظرنا جميعا إليها وقلنا في صوت واحد: "3 شاي يا سندريلا".
لم ننتبه لوالد الفتاة الذي كان يقف خلفها يحمل برادًا من الشاي ويجهز المطلوب من ابنته، إلا عندما ناولها الأكواب فسألناه عن صلة القرابة بينهما فأجابت بأنّ الشيخ محسن هو والدها، وامتد الحديث بلطف بيننا إلى أنّ قفز من فمي سؤال غريب موجهًا إلى السندريلا: "باين عليكي بنت ناس مالك بس أنتِ ووالدك بقصر النيل والشباب اللي هنا".
كان أحمد وناجي منبهران من سؤالي للفتاة، ليقودهما التفكير إلى أنني سأتلقى ردًا محرجًا على أقل تقدير، ولكن الأب العجوز فاجأ الجميع قائلا: "يا باشا شوفوا لنا شغل طيب وأنا وبنتي منعتبش قصر النيل تاني.. هو يعني من حبنا فيه، ده إحنا رجلينا ورمت من كتر الروحة والجاية عليه".
تجاوزنا هذا السؤال المُحرج ببعض النكات لتلطيف الأجواء وأخيرًا عادت ابتسامة بسندريلا قصر النيل تملأ الأجواء بهجة، أتذكر أنّ الشباب حولنا كانوا يتابعوننا في صمت، وربما يتساءلون عما يريد الثلاثة من الفتاة الجميلة والأب العجوز، بينما كانت تراودني فكرة أنّه من الظلم ترك هذا الجمال يتجول بين المارة.
وبصراحة لو كنت مديرًا لإحدى الشركات ورأيت السندريلا، بروحها البريئة وثغرها اللؤلؤي فيه لداء العاشقين شفاء إن تبتسم يبدو انشقاق القمر، لوظفتها فورًا، في إدارة العلاقات العامة.
ما رأيته من الشيخ العجوز والسندريلا سارة، أنّ كليهما لم يجد فرصة أفضل من عملهما هذا.. إما رجل حنون يريد مساندة العجوز بشراء كوب شاي أو آخر معجب بسندريلا قصر النيل فيطلب واحد شاي يشربه على مهل.