هيام العذراء ونجوى الحبّيبة درجة أولى.. الغوص داخل مشاعر الفتيات من وجهة نظر محمد خان السينمائية
محمد خان المفتش بأعماق حياة الفتيات والسيدات، ليقدم مشاكلهن على الشاشة، قائلًا لهن بشكل غير مباشر، نحن نسمعكم ونعلم بمشاكلكن، صاحب الخطوط العريضة لشخصية منى، التي تحولت حياتها في غمضة عين من براءة الآنسة مرتدية الفراشات في حلقانها، التي ترمز إلى حريتها وانفتاحها على الحياة، إلى تعاسة زوجة الرجل المهم، هو من أهدانا تذكرة ذهاب بلا عودة، لعالم استرخاء العين والعقل، بمشاهدة مناظر الساحل الشمالي بعينه ومن منظوره، قبل زحمة الصيف، محمد خان الخالق لـ هيام العذرء، العاشقة الولهانة، من تريد ارتداء الفستان الأبيض بشدة، وغيرها من الإبداعات، وذلك تزامنًا مع حلول ذكرى وفاته اليوم الموافق الأربعاء الموافق 26 يوليو.
و نستعرض في السطور التالية أبرز أعمال محمد خان الحديثة التي تناول من خلالها جوانب من مشاعر الفتيات والسيدات
هيام العذراء صاحبة الندر الأغرب على الإطلاق
فتاة المصنع هيام ياسمين رئيس، العذراء بشهادة الأطباء، والمخطئة في أعين الجميع، العذراء التي تلذذت بشكوك الآخرين بها، وظنهم بأنها فقدت شرفها على يد الباشمهندس صلاح -هاني عادل-، وهي في الحقيقة مازالت كما خلقها الله، ولكنها أبت توضيح تلك الحقيقة، آملةً في أن يظل القدر يجمعها بصلاح في مواقف وأماكن أكثر.
واصطحبنا خان خلال أحداث الفيلم، لغرفة كواليس المصانع المعتمدة على العمالة النسائية، وما يحدث بـ صومعتها، التي لا يوجد بها سوى فتيات من أعمار مختلفة، وعيشنا معهن يومهن المتكرر يوميًا بجميع فقراته، بدايةً من تجميع قائمة طلبات الفطار، التي بالطبع لن تخرج خارج إطار الفول والطعمية والكشري، نسبة لطبقة العاملات، مرورًا بـ الأبلة حسنية.. التي تشبهت بالساحرة الشريرة في مظهرها وخصالها، أو بعبارة أخرى هادمة اللذات، التي تفسد لهن أي لحظة قد تبدو سعيدة، وكذلك فقرة تغيير الملابس في الغرفة الخاصة بهن.
وحرص خان على أخذ هذه المشاهد بكادرات واسعة، وتمتعها بقدر كبير من الألوان، نظرًا لأنها غرفة بنات، بالإضافة إلى ملمس الواقعية في هذه المشاهد، الذي حققه بتزويد تلك المشاهد بتصويره للملابس الداخلية لهؤلاء الفتيات، مما أضاف لها طابعا من الانسيابية السهلة الممتنعة.
وركز خان على تفصيلة ندر هيام الغريب، حيث ندرت أن ترقص لـ صلاح، التي أحبته ولم تنل من حبه شيئًا، في فرحه يومًا ما، وكأنها كانت تعلم أنه من رابع المستحيلات أن تكون هي الجالسة بجانبه يوما، وبالفعل فعلتها، على أنغام ليلة حب لـ أم كلثوم، ووسط استغراب الجميع من تصرفها، وجاء على لسان صديقتها المقربة الجملة الشهيرة: كنتي ندراها يا هيام.
نجوى التي لم تعرف للحب طريقا.. ورحلة البحث عن أبلة تهاني
اصطحبنا محمد خان، في فيلم في شقة مصر الجديدة، مع نجوى - غادة عادل - في رحلة البحث عن أبلة تهاني، معلمة الموسيقى الخاصة بها في طفولتها، ومن علمتها الحب وأسراره، أكثر من دروس الموسيقى ذاتها، إلى أن أصبحت تلك الفتاة المنياوية، هي الأخرى معلمة موسيقى، التي تاهت في أعماق قاهرة المعز وأرجائها، في زيارتها لها مع رحلة مدرسية بصحبة تلميذاتها، والتي انتهزت فرصة مجيئها لتلك المدينة، للبحث عن الأبلة تهاني، التي انقطعت أخبارها عن تلميذتها الوفية نجوى، لتذهب الأخيرة إلى منزل تهاني بمنطقة مصر الجديدة، لتكتشف أنه مكث بالشقة ساكن آخر، وتدرك أن رحلة البحث عنها ستطول قليلا.
ثم يزداد الأمر سوءا وتفوت القطار العائد إلى المنيا، وينتهي بها الحال إلى المكوث ببيت طالبات مغتربات، ويُسيرها القدر إلى مقابلة حبها الأول وحتما الأخير، وهو يحيى - خالد أبو النجا - الساكن الجديد لشقة تهاني، وأخيرا ستُخرج نجوى طاقة ومشاعر الحب التي ظلت تدفنها بداخلها معلمتها تهاني، وبهذا تتحول نجوى الفتاة الريفية من فتاة خجولة ساذجة، لا تعرف للحب طريقا سوى كلمات أستاذتها، إلى حبّيبة درجة أولى، بعدما أخبرها أحدهم أنها جميلة وتستحق أن تُحَب، حيث من أبرز جمل العمل، ما قاله يحيى حبيبها الجديد لها: مفيش ولا راجل قالك إنك جميلة؟ تسمحيلي أقولك مع احترامي لكل الرجالة اللي عرفتيهم إنهم مبيفهموش.
اتنين اتنين.. بالطبع أصحاب أصحاب
تعلمنا على يد خان في بنات وسط البلد، أن مترو الأنفاق لا يبيع فقط اللوازم والأغراض البسيطة كـ الاكسسوارات والتسالي والمناديل، بل ويجوز أن نعثر فيه على حب حياتنا، كما حدث لبطلتي العمل، ياسمين - منة شلبي - الكوافيرة، وجومانة - هند صبري - البائعة بأحد محلات الملابس، عندما قابلتا الشابين، خالد أبو النجا ومحمد نجاتي، في إحدى محطات المترو، وقررا ألا يفوتا تلك الفرصة، وتعرفا على بعضهما لتبدأ رحلة علاقة بين كل اثنين منهم، ووصف خان مشاعر تلك الفتاتين، اللتين تنتميان للطبقة الفقيرة، عندما كانتا تحاولان إنكار حقيقة حياتهما البائسة، وإظهار عكس الواقع، وبالأخص ياسمين، التي عرفت نفسها للشابين على إنها جومانة المطربة، مرورًا بربط خان لـ مترو الأنفاق، بعلاقة أبطال العمل، والذي كان مكان لقائهم المفضل.
تذكرة ذهاب بلا عودة إلى داخل أعماق البحار
اشتهر محمد خان، بحبه واهتمامه لتصوير التفاصيل الدقيقة، التي تعيّش المتفرج حالة الحدوتة كاملةً، بالإضافة إلى تركيزه على تصوير الطعام، بزوايا وكادرات مختلفة ومتميزة، فـ أهدانا خان، راحة العين وهدوء البال، بتقديمه مشاهد فيلم قبل زحمة الصيف، المليئة بألوان بحر الساحل الشمالي الأزرق، ممزوجًا بخيوط الشمس الذهبية، مرورًا بتصويره لوجوه أبطاله بكادرات خاصة وبارزة لجمالهم الطبيعي دون تكلف، أو وضع مستحضرات التجميل الفاسدة لجمال الطبيعة، وهنا أيضًا، ركز خان على تصوير كادرات قريبة ودقيقة للطعام، وخصوصًا الأسماك ومشتقاتها، التي كان يطهيها الدكتور يحيى - ماجد الكدواني -، نظرًا لتصوير العمل بأكمله في محيط البحر، وكذلك أدخلنا داخل أعماق هالة - هنا شيحة -، السيدة المطلقة التائهة، التي ربما جاءت هنا هاربةً من نظرات العالم للمنفصلات، أو في محاولة منها لاستعادة شبابها ومراهقتها المتأخرة، ونسيان أنها أم لولدين في سن المراهقة.