ثورة على الثانوية العامة
ما بين السخط والرضا.. السعادة والحزن.. الزغاريد والدموع، انقسمت البيوت المصرية بعد إعلان نتيجة الثانوية العامة إلى فريقين، فريق حقق مراده وآخر يندب حظه.
مع نهاية موسم الثانوية العامة، تعج مواقع التواصل الاجتماعي، بحالات تشكو ظلم النتيجة وغياب العدالة عن التصحيح وعدم تحقيق تكافؤ الفرص بين الطلاب، بإظهار قوائم لأبناء عائلات في ربوع مصر حصلوا على درجات عليا، وإخفاق بمجموع طلاب متفوقين في نظر آبائهم، وخيبة أمل لطالبة كانت متفوقة، واتهامات بالتلاعب في الدرجات.
كل هذه الأمور وأكثر تتردد الآن على الألسنة داخل البيوت المصرية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أيضا، بعد نتيجة الثانوية العامة، تتزايد الاعتراضات على طبيعة الأسئلة والتصحيح والغش، لدرجة أنه لم يعد هناك ثقة في نظام امتحانات الثانوية العامة.
بيد أننا نختلف حول طبيعة الامتحان، بين السهل والصعب، ولا نقتنع بإجراءات وزارة التربية والتعليم لمكافحة الغش، ونتعاطف مع كل أسرة تشعر بالظلم في عدم الحصول على حقها، ونرفض ما يحدث من بعض الخروقات التي تخل بمبدأ تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة بين الطلاب.. إذن ماذا نريد من الثانوية العامة؟!
افتعلت الوزارة كل الحيل، واتخذت الإجراءات المشددة، وأنفقت المليارات لمكافحة الغش وتغيير نظام الامتحانات وطريقة وضع الأسئلة ونظام التصحيح، في سبيل تحقيق النزاهة وتكافؤ الفرص ولم تفلح!! إذن لا نعيب على الحكومة ولا نوجه اللوم لوزارة التربية والتعليم في هذا الأمر، جميعا يعلم أن ظاهرة الغش تتمدد، وإفساد أي محاولات لوأدها.
موروث ثقافي اجتماعي قديم، بدايته كانت بدافع مساندة الطلاب الضعفاء أملا في النجاح فقط، غير أن الأمر اختلف الآن وأصبح الغش طمعا في الوصول إلى كليات القمة، مما ينذر بكارثة بدأت بوادرها بحالات الرسوب الجماعي لأكثر من 60% من طلاب كليات الطب في سوهاج وأسيوط.
بيد أن الغش تحوّل من تهمة وسبة في جبين حامله إلى وجاهة وشطارة ونصاحة وسيطرة ونفوذ، بعد تغلغل أصحاب الأموال والتحكم فيها، وأصبح قاصرا على فئة بعينها من المجتمع، فئة القادرين على استخدام أحدث وسائل الغش الإلكترونية والمتنوعة باهظة الثمن، لا يقدر على حملها سوى الأغنياء فقط، درجة أن بعض أولياء الأمور، والطلاب أيضا تعاملوا مع الغش باعتباره حقا مكتسبا، أو سلعة قابلة للشراء لمن يدفع أكثر.
مع كل هذا الاعتراضات التي يصدرها أولياء الأمور بعد انتهاء الامتحانات، دون النظر إلى حقيقة الامتحان، أو فلسفة التعليم كليا، الذي يبني دولا ويهدم أخرى، ولا يدرك خطورة الأمر، في امتحانات الثانوية العامة، الذي يتطور شيئا فشيئا بصورة تمس الأمن القومي آنيا ويهدد البلاد مستقبلا، عندما يحتل الغشاش محل المجتهد في الكليات الطبية والهندسية، فيتصدر الغشاشين ويختفي المجتهدين، فلابد أن نشعر بالخطر المحدق على بلدنا.
إذن ماذا نريد من الثانوية العامة.. إذا كنا نريد الخير لهذا البلد، وحماية الكفاءات من الطلاب، فعلينا التدخل السريع، وإحداث ثورة على نظام التقييم بوضعه الحالي، وتعديل نظام القبول بالجامعات، والبدء في تنفيذه اليوم قبل غدا، ويشارك فيه أركان العملية التعليمية بداية من الطالب نفسه مرورا بأولياء الأمور وحتى السلطة التنفيذية.
نريد نظام تقييم، لا تحكمه الأهواء ولا يتدخل فيه معدومو الضمير وضعفاء النفوس، الذين تغريهم أموالا أو جاها.
نريد نظام تقييم يتمتع الشفافية الكاملة، ويحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع الطلاب، ولا يفرق بين أصحاب النفوذ ورؤوس الأموال والبسطاء والمطحونين من أبناء هذا البلد.
نريد نظام تقييم يحقق مخرجات تعلم حقيقة ويفرز طلابا متفوقين، ويعطي كل ذي حق حقه، لا يحابي أحدا على حساب الآخر، ولا يحرم المجتهد ويمنح الفاشل.
نريد نظام تقييم يضمن السلامة والأمان لمستقبل هذا البلد، يخرج أجيالا قادرة على بناء المستقبل، وعظماء نفخر بهم في المحافل الدولية والعلمية.
فعلينا البحث عن البديل الأفضل في التقييم، وكذلك التفكير جيدا في آلية القبول بالجامعات، خاصة كليات القمة، ونختار نظاما لا تشوبه شآبة ولا يعكر صفوه أولاد الأكابر، أو مراقب خائن للأمانة وموظف مرتش.
نريد نظام تقييم يضمن تكافؤ فرص بين الطلاب، ويكون الجميع أمامهم سواسية لا فرق بين غني أو فقير، يفصل بين الغش والسمين.
آن الأوان لفصل تنسيق القبول بالجامعات عن نتيجة الثانوية العامة، وتطبيق نظام جديد يضمن العدالة والنزاهة والتقييم الحقيقي لمستوى الطالب.