لهذه الأسباب لن أتكلم عن المطارحة
اعذروني لأني لن أتكلم عن المطارحة، وإشراقة وجوه المطارحة، ونقاء سرائر المطارحة، وطيبة قلوب المطارحة، وطيب نفوس المطارحة.
لن أتكلم عن جو مطروح الخلَّاب، ولا عن شواطئها الممتدة بمياهها التي في نقاء قلوب المطارحة، وزرقتها التي تضاهي السموات، وتضاريسها المتحفية المذهلة.
لن أتكلم عن شاطئ عجيبة، الذي هو بحق عجيبة من عجائب الدنيا بجبله الذي نقشت فيه عوامل التعرية أروع لوحة فنية ممتدة بطول الشاطئ.. لن أتكلم عن شاطئ الأُبَيِّض الفارد ذراعيه؛ ليحتضنك بمياهه التي تغسل النفوس، وتنقيها من بقع الدنيا بهمومها، فلا تخرج منها إلا مضطرًّا في نصاص الليالي، ولا عن أمِّ الرَّخَم، وكليوباترا.
لن أتكلم عن المطارحة الذين أعرفهم من شعورهم الناعمة وقلوبهم الوضَّاءة ووجوهم البشوشة، ولقائهم بك ضيفًا لا سائحًا أو مُصيِّفًا.. ضيفًا على العين والراس، لكن بأدبك. للعام الثاني على التوالي أركز تركيزًا مركزًا، فلم أسمع صوتًا ارتفع في شارع، ولا خناقة بلطجية من التي تداولتها الدنيا كلها في الساحل الشمالي وغيره من المصايف.
هنا أدب واحترام والتزام. هنا المطارحة إخوتك، تكتسب منهم أصدقاء وأهلًا بكل حروف الكلمة.. الفندق الذي كنا ننزل فيه لم يكن به مكان هذه المرة، ولك أن تتخيل كمية الاعتذارات والاتصالات من العاملين بالفندق؛ من أجل توفير شقة لنا تجعلنا نستمتع بإجازتنا دون أي منغصات.
لن أكلمكم عن الحاج أحمد الذي عرض علينا شقتين تكفيان لعددنا، ثم اقترح أن نأخذ شقة واحدة، ونوفر نصف المبلغ للاستمتاع برحلتنا، وكيف كنا نتصل به في الثلث الأخير من الليل لانقطاع المياه، الذي لا دخل ولا شأن له به، وكيف كان يتصرف في الحال، رغم أنه مقيم في منطقة تبعد عن مطروح 40 كيلو.
ولن أكلمكم عن أعين المطارحة وهم يقطعون لنا تذكرة الدخول لمنطقة عجيبة وكيف كانوا في أشد الضيق لفرض رسوم دخول للمنطقة (خمسة جنيهات للفرد)، واكتفوا بقطع ست تذاكر، ولا العاملين بالشواطئ الذين كانوا محرجين وهم يأخذون مقابل الشماسي والكراسي المفروض عليهم، فكنا ندفع من 50 لـ 80 جنيها مقابل دخول 16 فردا للشاطئ.
المطارحة لا يزالون محافظين على سجيتهم، وهم على وعي تام بكل الألاعيب في تركيبة المواطن المصري؛ لذا تجدهم متماسكين ومتمسكين بشدة بجذورهم؛ للحيلولة دون المساس بفطرية النقية. وحتى من تراوده نفسه من الشباب لأن يكون "لبط" من باب المحاولة أو الفضول أو الطموح (وهم ندرة) تجده في غمار "لبطنته" بداخله حنين ما يلبث أن يعيده لسجيته.
ولن أتكلم عن التجار ومحاولاتهم بيع السلع بأقل سعر ممكن وهم تحت ضغوط ارتفاع الأسعار + تكلفة نقل السلع، رغم أن هذا موسمهم وفرصة ذهبية للاستغلال.
لن أكلمكم عن "بكر" السائق ابن الواحات البحرية، الذي كان ينقلنا إلى الشواطئ ومدى التزامه بالمواعيد تحت أي ظروف، ورسوخ التزامه رغم بعض الحركات الدونية من الوافدين على المدينة، وطولة باله ونحن نتلكأ في النزول من الشقة، ونتلكأ في وضع الشنط والعوامات، ونتلكأ في حجز الغداء قبل الركوب؛ لأننا "هنرجع من الشط جعانين"، والبسمة الصافية تكسو وجهه رغم تعطيلنا لوقت سائق تضبط عليه ساعتك.
سأكلمكم فقط عن ظاهرة واحدة رأيتها بعيني، وأفزعتني.. الزحف الساحلي من "بتوع مارينا".. هكذا أطلق المطارحة على مرتادي الساحل الشمالي، الذين هجموا هذا العام على مرسى مطروح أفواجًا أفواجًا وأممًا أممًا.. رأيتهم وأنا في استضافة صديق لي بقرية سياحية، فقلت له: كارثة! هذا الزحف سيسحب المستثمرين وراءه إلى المنطقة، ويغلو مهرها، ولن نجد لنا موضع قدم فيها، خاصة أن الزاحفين فوجئوا بروعة الطبيعة هنا، وأنها تمثل جذبًا سياحيًّا سيجني المستثمرون من ورائها أموالًا طائلة، ويجني على أمثالي وأمثالك.
عرفتم لماذا لن أتكلم عن المطارحة؟