محمد الشماع: مشروعي قائم على رواية التاريخ الموازي.. والشوارع الخلفية حلقة منه | حوار
- الشوارع الخلفية يفضح أكاذيب المستعمر الإنجليزي عن مصر
- محمد الشماع: الصحافة مهمة لإعادة ترتيب أوراق التاريخ.. ولكل فترة زمنية شوارعها الخلفية
في رواية تلك الأيام للكاتب الكبير فتحي غانم، يقول مسيو لافارج الأستاذ في جامعة السوربون لأحد طلابه الباحث في التاريخ سالم عبيد: "نصف الحقيقة وتحيا.. كل الحقيقة والمقصلة يا عزيزي"، وهذه عبارة كاشفة لاعتبارات كتابة التاريخ؛ حيث إن الكثير من الحقائق التاريخية يتم تزييفها وإخفاؤها بسبب الخوف من مقصلة القمع، لكن مع مرور الزمن وتبدل الأمور تلوح فرص لإعادة قراءة التاريخ وتمحيصه، من هذا المنطلق يأتي كتاب محمد الشماع بعنوان: الشوارع الخلفية عن المهمل والمسموم في تاريخ مصر 1882 – 1952، الذي يقدم فيه تاريخا موازيا ومختلفا عن التاريخ المعروف في هذه الفترة التي كتب عنها، أي أنه يقدم المسكوت عنه من تاريخ هذه الفترة.
وفي حواره لـ القاهرة 24 كشف محمد الشماع لماذا اختار فترة تاريخية معينة، وهي من عام 1882 إلى 1952 للكتابة عنها، كما كشف أن الكتابة عن التاريخ الموازي هي مشروعه الذي أخذ على عاتقه تقديمه، وكيف قدم الاستعمار تاريخا مزيفا عن الدول التي يحتلها، خصوصا مصر في فترة عهد اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني، الذي لقبه الشماع بـ أبو التاريخ المزيف، كما كشف عن دور الصحافة في مواجهة التاريخ المزيف وغيرها من الأمور.. وإلى نص الحوار:
كيف جاءت فكرة الشوارع الخلفية؟
لكل كاتب مشروع، وإذا جاز لي أن يكون لي مشروع فاعتبره هو رواية التاريخ الأخرى، أو رواية التاريخ الموازي أو الشعبي، الذي لم يُكتب ولم يدون في كتب التاريخ الرسمية، أو في روايات التاريخ الرسمية. و«الشوارع الخلفية» حلقة في هذا المشروع، بعدما قدمت في السابق «الشعب يبدي رأيه في كل ما حدث» منذ 5 أعوام، ثم «السرايا الصفرا» منذ عامين، جاء الدور على ما دار في شوارع مصر الخلفية، من حكايات وتاريخ تم إهمال جزء كبير منه، وحكايات أخرى تم تسميمها وصبغتها بألوان وجهة نظر المستعمر، وهذه هي فكرة الكتاب التي أحببت تقديمها فيه.
ما الذي استهواك للكتابة عن هذه الفترة التاريخية (1882 – 1952)؟
أولًا هي فترة غنية جدا في الأحداث التاريخية المهملة، فضلا عن أنها الفترة التي شهدت دس كم كبير من الأكاذيب والسموم فيها، ثانيا لأن كثيرا من رجالات الاستعمار الإنجليزي كتبوا مذكراتهم، والغريب أن بعضا منها كانت سموما وأكاذيب، والأكثر غرابة أن تلك السموم انتقلت إلى كتابات المؤرخ المصري.
ثالث الأسباب في اعتقادي أنها الفترة التي شهدت تأسيسا للحياة الاجتماعية في مصر، تلك الحياة التي لم تتناول إلا في القليل من الكتابات التي جاءت بعد ذلك.
اعتبرت اللورد كرومر أبو التاريخ المزيف.. من وجهة نظرك ما أكثر الوقائع المزيفة التي جاء بها؟
كتاب اللورد كرومر «مصر الحديثة» كتاب مهم ومرجع لكثير من المعلومات التي وردت في فترة وجوده كأول معتمد بريطاني في مصر، ولكن هذا الكتاب مثلما احتوى على معلومات، احتوى كذلك على أكاذيب حملت وجهة نظره، ولعل أهم الوقائع هو موقفه عموما من الزعيم المصري أحمد عرابي، والذي وصف حركته بالفوضوية، واعتبره قد تحرك لتحقيق مكاسب شخصية. وأظن أن كلمة «هوجة» التي يطلقها البعض حتى الآن على الثورة العرابية جاءت بسبب كتابات المستعمرين، وأولهم اللورد كرومر.
كيف كان التحضير للكتاب وما المراجع التي استندت إليها؟
أكثر مراحل الكتابة إرهاقا هي مرحلة التحضير، أو ما تسمى بـ«البحث» وهي المرحلة التي تلي فكرة الكتاب، وكتاب «الشوارع الخلفية» استغرق مني مجهودا لمدة سنة، من القراءة والبحث في المراجع والكتب والمجلات والصحف المختلفة. أما أهم ما استندت إليه فعديد من الكتب منها «مصر الحديثة» للورد كرومر، ومنها «ربع قرن في مصر» وهي مذكرات البارون كوسيل، وكذلك مذكرات عباس حلمي الثاني المعنونة بـ«عهدي»، فضلا عن «موسوعة الصحف الإسلامية» لأنور الجندي، و«الصحافة القبطية» لروبير الفارس، وكذلك كتاب «الإمبريالية والهشك بشك» لدكتورة شذى يحيى، وكتابات صلاح عيسى التي أرّخ فيها لهذه الفترة، ومنها «رجال ريا وسكينة» و«أفيون وبنادق» وغيرها.
إلى أي حد استفدت من كتب مثل كتب إدوارد سعيد عن الاستعمار والقوى الكولونيالية في كتابك وخاصة كتاب الاستشراق؟
أظن أن إضافة كتاب جديد للمكتبة العربية لا بد أن يحمل قيمة مضافة، أن يؤسس على ما قبله، وكتابات إدوارد سعيد وغيره تناولت بالنقد والتحليل حركة التأليف الاستشراقي، أو بمعنى أوضح حركة التأليف التي وضعها المستشرقون عن الشرق عموما، ولكني استفدت أكثر بالكتابات التي تناولت التاريخ الاجتماعي، وهو الجانب الذي أحبّذه في العمل.
هل يمكن صدور جزء ثانٍ من الكتاب، يكشف عن وقائع أخرى؟
لا أعتقد، إلا لو ظهرت لي فكرة أخرى أو تناول آخر لتناول الأحداث في الفترة التاريخية نفسها.
هل تعتقد أن هناك في الفترة التي نعيشها تاريخا للشوارع الخلفية سيأتي من يكشف عنه فيما بعد؟
بالتأكيد في أي فترة تاريخية شوارع خلفية يُكتب التاريخ فيها أو يتم إخفاؤه أو يتم تزييفه، ولكن متى سيتم الكشف عنها؟ هذا هو السؤال. هناك أمر يُصعّب المهمة قليلا، وهو أننا مثلا حينما نتناول فترة تاريخية مثل (من 1882 وحتى 1952) فإننا نلجأ بشكل أو بآخر إلى الصحافة، وإلى المجلات والإصدارات المتنوعة، فإذا جاء مؤرخ أو كاتب وأراد أن يؤرخ للفترة الحالية فماذا سيجد؟ هذا سؤال سيفتح بابا كبيرا عن حال الصحافة في مصر، وهو ليس موضوعنا الآن.
حدثنا عن دور الصحافة في إخراج التاريخ المسموم والمزيف للنور وتصحيح المسار في تلك الفترة التي كتبت عنها؟
أعتبر أن الأرشيف الصحفي هو التاريخ الطازج المكتوب والممزوج برائحة المطابع، وعليه فإنه البوابة الأولى للكتابة عن أي حدث تاريخي؛ لهذا فدور الصحافة مهم للغاية في التنقيب عن كل مهمل ومسموم في التاريخ. وأظن أننا بحاجة كبيرة لتصحيح الكثير من المفاهيم والأحداث التاريخية التي تسربت إلى الروايات الرسمية والشعبية على السواء.