ملاك الموت
في سنة 1988 اتخرجت الشابة الأمريكية كريستيان غيلبر من الكلية والتحقت بالعمل كممرضة في مركز ثورثا مبتون الطبي الأمريكي.. ملامح كريستيان الملائكية اللطيفة خلّتها في نظر كل الناس ممرضة مثالية.. الابتسامة الحلوة الرقيقة بدون تكلف.. الصوت الهادي البسيط.. الروح الخفيفة.. حتى مع الأوقات الصعبة اللي كانت بتقابلها بسبب طبيعة شغلها لما يحصل وفاة مريض أو حاجة كانت بتكون في منتهى الثبات ومش بتقصر في شغلها تمامًا!
حاجة عظيمة جدًا مش كده؟.. الحقيقة مش أوي.. ليه؟.. عشان الآنسة كريتسيان لما كانت صغيرة في السن شوية وتحديدًا في أيام المدرسة كانت مشهورة بالكدب وسط زمايلها وقرايبها وأصحابها.. عادي إنها تكدب كدبة كبيرة بشكل يخوف عشان خايفة من العقاب بسبب موضوع تافه!.. يعني بالبلدي ياما عملت من الحبة قبة.. كان واضح لكل المحيطين ليها إنها لما كبرت عقلت والدليل اللي لسه قايلينه من شوية بخصوص كونها ممرضة مثالية نجحت تثبت نفسها وكفاءتها بسرعة.
في سنة 1990 يعني بعد ما فات سنتين على تعيينها في المستشفى وقعت في قصة حب مع واحد من اللي موجودين في المكان معاها وبيشتغل ناقل جثث لثلاجة الموتى.. شاب ينفع نطلق عليه لقب الباد بوي بمعايير دلوقتي.. بيسكر.. لسانه طويل.. قليل الأدب.. بتاع بنات.. بيشرب مخدرات.. في نفس الوقت عنده شخصية قوية.. ريد فلاج زى الكتاب ما بيقول، ومش فلاج واحد دي كمية فلاجات الله ينور.. طبعًا بالنسبة لواحدة زى كريستيان شايفة نفسها أحسن واحدة في الدنيا كان لازم أخينا يبقى هدف تلفت نظره.
وقدرت فعلًا تعمل ده وتخليه يقع في حبها هو كمان.. كانت قدامهم مشكلة.. يتقابلوا إزاي وفين وإمتى؟.. ما تتقابلوا في أي حتة يا عم أنت وهي!، هي الأماكن عدمت!.. لأ مش هينفع نتقابل بره المستشفى لأن مواعيد الورديات بتاعتها وبتاعته مختلفين عن بعض والفرصة الوحيدة اللي ينفع يكونوا فيها سوا هي فترة الشغل!.. طيب هي بتشتغل 9 ساعات، وهو بيشتغل 9 ساعات برضه.. هما الاتنين مشتركين في 3 ساعات.. يعني آخر 3 ساعات في ورديتها بيبقوا هما أول 3 ساعات في وردية الأفندي حبيبها.. طيب عظيم اتقابلوا في كافيتريا المستشفى.. لأ مش هينفع والوضع ده هيبقى ملحوظ.
حصل إيه؟.. كريستيان هانم قررت تعمل فعل مش ممكن ييجي في بال أى حد.. الهانم مسؤولة من خلال خدمتها عن مجموعة من المرضى.. قررت كل يوم إنها تحقن مريض منهم بحقنة مخدرة قوية شوية ومش ممكن اكتشافها حتى لو اتعمل فحص على المريض.. بتعمل إيه الحقنة؟.. بتقتل المريض!.. طب وبعيدين؟.. ولا قبلين، بمجرد ما بيموت المريض بتحصل الإجراءات التانية عادي جدًا كالمعتاد.. بتتصل الممرضة المسؤولة عن الحالة بعامل نقل الجثث لثلاجة الموتى اللي هو صاحبنا إياه وييجي ينقل بمعاونة الممرضة الجثة للثلاجة.. استكمال بيانات المريض وكتابتها على الورق الرسمي بتكون مهمة الممرضة وغالبًا بتخلص في مكتب العامل.
بقت كريستيان تقعد في مكتب حبيبها ويملوا الورق في كام دقيقة ويقعدوا ساعتين وتلاتة سوا يدردشوا ويحبوا في بعض كإنهم قاعدين في كازينو مش ثلاجة موتى!.. عملت كده كام مرة؟.. 30 مرة بـ 30 مريض قتلتهم بنفس الحقنة على مدار سنتين.. مرضى كانوا داخلين المستشفى بيعانوا من أمراض بسيطة نسبيًا خرجوا منها جثث لمجرد إن فيه إنسانة حقيرة قررت تقعد 3 ساعات مع حبيبها في المرة الواحدة!
في سنة 1991 وبالصدفة البحتة كانت كبيرة الممرضات بتراجع كميات الحقن المخدرة واكتشفت إن فيها نقص ما.. مش نقص كبير لكنه نقص ياخد باله منه حد مركز.. ومن سوء حظ كريستيان إن رئيستها كانت مركزة!.. دورت ورا الموضوع لحد ما اكتشفت الكارثة دي.. تم القبض عليها والحكم عليها بالسجن مدى الحياة وعدم العفو عنها نهائي!.
فيه ناس بتتعايش على مبدأ إنهم يعملوا من الحبة قبة.. من الحبة قبة لما بيزعلوا بسهولة، ولما بيتراضوا بصعوبة، ولما بيحسسوك إن الأزمة الفلانية بالنسبالهم نهاية العالم، ولما كل أمورهم حتى لو كانت صغيرة لازم تبقى مجبر تشوفها كبيرة وإلا تبقى مش فاهمهم!.. طريقتهم في الحصول على اللي عايزينه مش العقل ولا المنطق ولا البساطة.. لأ.. التطرف.. مفيش وسط.. اللي أنا عايزه هو اللي هيتحقق ويتنفذ حتى لو دوست على أى حد أعرفه أو معرفوش.. ماتفهمش بقى ده دلع زيادة مننا ليهم بدافع محبتهم عندنا، ولا سوء تربية من أهاليهم أصلًا، ولا خلل حصل متأخر ومحتاج علاج!
الشيء الأكيد إن اللي زى دول مصاصين طاقة ونور والبُعد عنهم في أقرب فرصة فيه نجاة منك لنفسك ونجاة بشوية العقل اللي تلاقيك محتاجهم عشان تقدر تكمل حياتك خصوصًا إنك مش لاقي لا صحتك ولا قواك العقلية ولا ثباتك النفسي هدية في باكو بسكوت.