فإذا عزمتَ فتوكل على الله
إن التعلق بالأسباب أحد أكثر أمراض العصر الحديث انتشارا، فالأخذ بالأسباب لا معنى له ما لم يكن قلبك متعلقًا بمسبب الأسباب جل جلاله، إن كنت تكثر من التنهد والتبرم فإيمانك بحاجة لإعادة نظر.
قد يضيع الإنسان عمره باحثا عن أسباب متناسيا أنها في يد مسبب الأسباب سبحانه وتعالى.
ويحضرني هنا قول الكاتبة عائشة العمران: "يسعى أحدهم في البحث عن وظيفة فيطرق كل الأبواب وينسى أن يطرق الباب الأعظم في الثلث الأخير من الليل.
يلجأ آخر لأكبر وأشهر الأطباء برغم أن علاجه قد يكون في "جنيهات" يدسها في جيب فقير محتاج، ويبحث آخر عن زوجة مناسبة في كل مكان وقد يكون بينه وبينها سجدة واحدة يتضرع فيها إلى الله، فقبل أن تتعلق بالأسباب يجب عليك أن تجد في داخلك اطمئنانا على أحوالك التي وكلت الله بها، وإن أول طريق الرزق بمختلف أنواعه هو الرضى.
البحث عن الأسباب قد يكون ضروريا في بعض الأحيان، ولكن هذا لا يجب أن يتحول إلى هوس يهيمن على حياة الشخص ويجعله ينسى أن الأمور في يد الله -جل جلاله-
فعندما يصبح الشخص مهووسًا بالبحث عن الأسباب، فإنه يميل إلى تجاهل تدخل الله في الأمور، وينسى أن هناك قوة عظيمة وحكمة خلف كل شيء.
إن الاهتمام الزائد بالبحث عن الأسباب يؤدي إلى تشتت الذهن وتفكك السلام الداخلي. بدلًا من التركيز على الاعتماد على الله والثقة بقدرته على إدارة حياتنا، ومن هنا يقع الشخص في القلق والتوتر المستمر.
بالطبع، يجب أن نسعى لفهم سبب الأحداث والمشكلات التي نواجهها في حياتنا. ولكن يجب أن نتذكر أنه ليس كل شيء بإمكاننا تفسيره أو فهمه بشكل كامل. يجب أن نتقبل أن هناك أمورًا لا يمكننا تفسيرها بسهولة، وهذا ليس عيبا ولا عجزا، بل هو جزء من تجربتنا الإنسانية.
ولذلك فإنَّ الإنسان المؤمن المُسَلِّم أموره لله تعالى لا يُراقِب اللهَ في صُنعه وتدبيره له، إذ أنه واثقٌ تمام الثقة أنَّ الله -سبحانه- لا يريد إلا الخير له، فهو يُسلِّم حياته بيد الله وينساها هُناك، مع يقينه التام أنَّ الفوز كل الفوز في التسليم والرضا.
أقول: إنَّ الإنسان لا يذوق طعم السعادة الناتجة عن الإيمان إلا بالتسليم لقضاء الله تعالى، لدرجة أنه لا يجد حرجًا في نفسه ولا زعزعةً في قلبه من القضاء الإلهي، بل إنه يستقبل هذا القضاء بسعةٍ ورحابةٍ في صدره، واثقًا تمام الثقة في صُنع الله وتدبيره له، عملًا بقول الله -جلَّ جلاله- في الحديث القُدسي: «أنا عند ظن عبدي بي»
في النهاية، يجب على الإنسان أن يوازن بين البحث عن الأسباب وبين الثقة في قدرة الله. عليه أن يتذكر أن الأمور ليست تماما في يديه ولكنه ليس إلا مجرد ضعيف عاجز. إنها دعوة للتواضع والاعتراف بأننا بحاجة إلى الله في كل لحظة من حياتنا.