الرجل والمرأة بين شبهات الفساد
تُعَدُّ قضية الفساد محل اهتمام واسع النطاق في المجتمعات حول العالم، واحدة من التساؤلات الشائعة التي تطرح ما إذا كان الرجل أكثر فسادًا من المرأة أم العكس، أيُّهما يتماشى أكثر مع سياسة "الدرج المفتوح"؟
يعد هذا موضوعًا حساسًا ومعقدًا يتطلب تحليلًا دقيقًا لعوامل متعددة تؤثر في حالات الفساد، قبل أن نناقش ما إذا كان الرجل أكثر فسادًا من المرأة، يجب علينا أولًا أن نفهم مفهوم الفساد.
يمكن تعريف الفساد على أنه استغلال السلطة أو المنصب لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة، يكون الفساد موجودًا في جميع المجتمعات ويؤثر على كافة الجنسين، ولكن قد يتجلى بأشكال مختلفة، يمكن أن يتخذ الفساد، أشكالا عديدة، من الرشوة الصغيرة إلى الاختلاس على نطاق واسع، إنه يقوض سيادة القانون ويقلل الثقة في المؤسسات العامة ويعيق النمو الاقتصادي.
توجد عدة عوامل تؤثر في ظهور الفساد، بغض النظر عن جنس الشخص. تشمل هذه العوامل البيئة والاجتماعية والاقتصادية والقيم والأخلاق الفردية وتطور الأنظمة القانونية والرقابية. وهنا ينبغي علينا عدم التفريط في أن نعتبر إحدى الجنسين أكثر فسادًا من الأخر بناءً على النماذج العامة والتحاملات النمطية.
رغم أن هناك تقارير ودراسات تشير إلى وجود فساد من الرجال أو النساء، إلا أن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة يشير إلى أن الفساد يتسم بطابع ذكوري، فقد أجرى المكتب العديد من الدراسات الميدانية التي تشير إلى أن الكثير من الناس في جميع دول العالم يرون أن النساء بلا شك أقل فسادًا من الرجال، ورغم اختلاف النسب من بلد إلى آخر، إلا أن الاتجاه العام يشير إلى أن الرجال أكثر استعدادًا للانغماس في الفساد مقارنةً بالنساء.
وفي الدول التي تحققت فيها المرأة مناصب سياسية عليا، يروي البعض أنهم ينوون أو يتمنون انتخاب المرأة في المناصب القيادية بسبب قلة فسادهن وهذه كانت من ابرز حجج تمكين المرأة في العديد من دول العالم.
كما يشير تقرير آخر إلى أن الأغلبية العظمى من الاحتفالات والممارسات والتربية الدينية والثقافية، بما في ذلك قصص النوم في جميع أنحاء العالم، تربط بين الأنوثة والنقاء والصدق والثقة. وبناءً على ذلك، يميل الأغلبية إلى استبعاد النساء عن كونهن جزءًا من الفساد.
من رأيي أنا بالطبع يجب أن تشير التقارير إلى أن نسبة الفساد بين الرجال أكبر من النسبة بين النساء، لأن نسب الرجال في المناصب القيادية في مختلف دول العالم أكثر من النساء بكثير، ولذلك فهناك خلل في دقة المقارنة بين الرجال والنساء في هذا الأمر، ومن الصعب التحديد بدقة أي جنس يمارس الفساد بشكل أكثر من الآخر.
يجب علينا أن نفهم أن الفساد ليس مرتبطًا بالجنس بل بالأفراد الذين يتورطون في أعمال فاسدة.حيث أن العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية توثر في ظهور الفساد بطرق مختلفة على الرجال والنساء، إذا كان هناك توجه لفهم الفساد من منظور جنسي محدد، فإن ذلك يمكن أن يقوض الجهود المبذولة لمكافحة الفساد بشكل شامل.
من المهم أن نفهم أن الفساد لا يرتبط بشكل حصري بالرجال أو النساء، إنه ينشأ نتيجة تداخل العديد من العوامل المختلفة، يجب علينا أن نتجنب العموميات والتحاملات النمطية ونتعامل مع الفساد كظاهرة اجتماعية تستوجب جهودًا مشتركة لمكافحتها، يجب أن يكون هدفنا هو بناء مجتمعات متكافئة وعادلة تعمل على الحد من الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية في كافة الأدوار والمناصب.