ما حكم الإقامة في بلاد غير المسلمين للدراسة؟.. الإفتاء تجيب
أجابت دار الإفتاء على سؤال ورد لها عبر موقعها الرسمي نصه: ما حكم الإقامة في بلاد غير المسلمين للدراسة؟ حيث إنني سافرت لبلد من بلاد غير المسلمين لدراسة الهندسة فأخبرني أحد الأصدقاء: أنَّه لا يجوز لي الإقامة في تلك البلاد لمجرَّد الدراسة؛ إذ لا تجوز الإقامة ببلاد غير المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا برئ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» رواه أبو داود، فهل تجوز إقامتي في تلك البلاد لمجرد الدراسة؟
حث الإسلام على طلب العلم
وقالت دار الإفتاء في فتوى سابقة، حثَّ الإسلام على طلب العلم ورغَّب فيه وأعلى شأن طالبيه؛ فقال تعالى: ﴿يَرۡفَعِ ٱللهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٍ﴾ [المجادلة: 11].
وأضافت، قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (17/ 299، ط. دار الكتب المصرية): [أي: في الثواب في الآخرة وفي الكرامة في الدنيا، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن، والعالم على من ليس بعالم؛ وقال ابن مسعود: مدح الله العلماء في هذه الآية، والمعنى أنَّه يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم ﴿دَرَجَٰتٍ﴾ أي درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به] اهـ.
وتابعت، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» أخرجه ابن ماجه في "سننه".
وأردفت، قال الإمام ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" (3/ 1016، ط. دار السلام): [وسلوكُ الطَّريقِ لالتماس العلم يدخُلُ فيه سلوكُ الطَّريق الحقيقي، وهو المشيُ بالأقدام إلى مجالسِ العلماء، ويدخلُ فيه سلوكُ الطُّرُق المعنويَّة المؤدِّية إلى حُصولِ العلمِ، مثل حفظه، ودارسته، ومذاكرته، ومطالعته، وكتابته، والتفهُّم له، ونحو ذلك مِنَ الطُّرق المعنوية التي يُتوصَّل بها إلى العلم] اهـ.
واستكملت، وشرف طلب العلم حاصلٌ لـمَنْ طَلَب علمًا دينيًّا يصلح به أمر آخرته، أو علمًا دنيويًّا يصلح به أمر دنياه؛ فقد نصَّ الفقهاء على أنَّ طلب العلوم الدنيوية -ممَّا تتوقَّف عليه مصالح العباد- يُعدُّ من فروض الكفايات. ينظر: "رد المحتار" لابن عابدين (1/ 42، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" للنووي (10/ 217، ط. المكتب الإسلامي).
واختتمت الإفتاء، الإقامة في بلاد غير المسلمين للدراسة جائزة شرعًا ما دام المقيم يأمن على دينه ونفسه وعرضه، ويتمكن من إقامة شعائر دينه مع المقام بينهم.