الأربعاء 18 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

‏جدلية البنية التحتية

السبت 09/سبتمبر/2023 - 09:10 م

استوقفني حديث الدكتور محمد معيط وزير المالية، خلال الجلسة الحوارية التي عقدها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، التي أكد فيها الوزير أن الاستثمار في البنية التحتية مكلف ويحتاج إلى تمويل ضخم جدا، إلا أنه مستقبل تنمية ويخلق فرص عمل.

وتحدث الوزير بنفس السردية المعتادة المنهمكة في إنكار أي مسئولية عن الوضع الحالي، مشيرا إلى أن عملية الاستثمار في البنية التحتية تأخذ أهمية قصوى على مستوى العالم؛ لأنه بدون بنية تحتية قوية وشبكات طرق وموانئ ومرافق وغيرها لا يكون هناك استثمار.

ورغم أن أزمة الاقتصاد المصري متشعبة الأسباب ومتراكمة عبر عقود عدة، إلا أنه من أساسيات مشكلتنا الحالية، فكرة الاعتماد المكثف على الدين الخارجي لإحداث تنمية في استثمارات غير مدرة للعائد.

وفي الوقت الذي يحظى هذا النهج الذي تم اتباعه خلال العقد الأخير، بحالة من الجدل بين الجدوى الاقتصادية للإنفاق " تحقيق عائد مادي من المشروعات"، وبين أهمية الإنفاق على مشروعات البنية التحتية المهمة بالطبع لكنها لا تدر دخلا، إلا أن هذا الجدل يتجاهل حقيقة اقتصادية راسخة متعلقة بفكرة محدودية الموارد كمنطلق اقتصادي أساسي.

طبعًا.. لا جدال حول أهمية إنشاء بنية تحتية قوية من طرق وكباري ومشروعات إنشائية في كافة ربوع الوطن وأبرزها بالطبع "حياة كريمة" الذي يعمل على توفير أساسيات الحياة في القرى والنجوع، ويعوّض أهالينا في هذه المناطق فترة طويلة من الإهمال والتهميش، فما حدث يمثل بالفعل طفرة عظيمة من الصعب إنكارها أو التقليل منها.

الإشكالية تكمن في عدم اكتمال المعادلة بين عنصر التمويل لهذه المشروعات، في ظل اعتماده الأساسي على التوسع في الاستدانة - تجاوز الدين الخارجي لمصر نحو 165 مليار دولار-، وبين ضرورة وجود تنمية اقتصادية تستطيع توفير استدامة لهذا الإنفاق.

حتى إن سَطّحنا فكرة إدارة العملية الاقتصادية للدولة، وقارنّاها بـ إدارة مشروع، فهناك حتمية دائمة لتوفير تمويل بغرض استكمال المشروع، وعليه تتضح المشكلة في النظرة لعمومية الاقتصاد وقدرته أنه "يشيل نفسه"، فالعملية الاقتصادية التي اعتمدت على سياسة إنفاق توسعية اصطدمت الآن بحائط حينما جفّ التمويل، وهو أمر متوقع في الحقيقة ولم يكن هناك مفر منه.

وبالنظر إلى أبعاد مشكلتنا المتعلقة بندرة العملة الصعبة، نجد أن مصر ترتيبها الـ 119 ضمن 133 دولة في مؤشر نسبة صادرات مصر من الناتج المحلي آخر 15 سنة، بنسبة صادرات تقارب الـ 15% من الناتج، في حين تحقق دولة  المغرب 44% وجنوب إفريقيا 33%.

وهذا يشير إلى أن العملية الاقتصادية في مصر غير منتجة للمدخل الدولاري بشكل كافٍ يساعد في تسهيل عملية تنموية معتمدة على الدولار بالأساس، حتى أن وضعنا الآن لا يستطيع توفير أقساط الديون التي تم إنفاقها على المشروعات وليس الاعتماد الذاتي عليها من الناتج القومي.

فحتى وإن كان الصرف في أمور مهمة وحيوية وضرورية، إلا أن ذلك ليس عذرا لأن تكون العملية الاقتصادية بلا استدامة، في ظل تسبب ذلك في أزمة تمويل لا مفر منها، تربك الاقتصاد وقد تؤدي إلى عدم اكتمال المشروعات التي بدأت واعتمدت على تمويل غير دائم، وهو ما نعايشه الآن.


لا عيب على الإطلاق في وجود طموح لمشروعات إنشائية عملاقة، وتوجيه اهتمام بالغ لملف البنية التحتية وتوفير حياة كريمة، لكن إدارة الاقتصاد ليست عملية تحقيق طموح فقط، لكنها عملية تنمية موارد تتناسب مع هذا الطموح، وهو ما كان فرضا قبل هذا النهج حتى لا يكون الثمن باهظا كما هو الآن.

تابع مواقعنا