لماذا تريد المرأة من الرجل تحقيق أهداف مادية أو أمان مادي؟
هذا السؤال شغلني طوال حياتي، كنت أسمع من عائلتي وأصدقاء والدتي مصطلحات مثل: “وزنك دهب”، أو:لازم يدفع كذا وكذا…" إلخ.
وكلما كان المبلغ المدفوع أو التكلفة المادية التي يتحملها الرجل أعلى كلما كان تقديره لك أكبر.
حقيقة الأمر أنني لم أقتنع بهذه الأفكار أبدا، ومهما حاولت التعاطي معها فشلت تماما وشعرت بالانزعاج الشديد وقت الجد، وأحيانا أخرى أجد نفسي كأني سلعة في سوق، وتقديري يجب أن يكون بالمال.
لا أنكر أبدا أنني كامرأة أشعر براحة عندما يتكفل شريكي ببعض احتياجاتي، أو يقدمها لي على أفضل صورة، وخاصة الأمور المتعلقة بالاحتياجات الإنسانية الأساسية.
راجعت أفكاري كثيرا حتى أعرف هل لهذه الرغبة المرتبطة بتلبية الاحتياجات الأساسية أصل في وعينا الجمعي؟ ذاكرتنا الجينية مثلا؛ لأنني عندما أتصرف كأم لا أجد نفسي سعيدة إذا ما تصورت أن ابني قد يتكفل بتلبية احتياجاتي الأساسية يوما ما.
وإذا نظرت لابنتي أجد الأمر أكثر صعوبة، لماذا؟
اعتدت -كما قلت سابقا- أن أجد الإجابات، وأن أخوض التجارب الإنسانية كي أفهم، إن التجربة هي الاختبار الحقيقي لطبيعتنا، كي ندرك أنفسنا وما نحن عليه.
لقد دفعتني هذه الفكرة لسؤال آخر: هل هناك رابط بين القوة الجسدية للرجال في العصور القديمة وقدرتهم على الأعمال الشاقة ومطاردة الحيوانات، وبالتالي إحضار الطعام لأسرهم في الوقت الذي لم تكن المرأة لديها القوة الجسدية نفسها، ومرورها بفترات حمل ورعاية صغار ما جعلها دائما منتظرة الأمان وتلبية الاحتياجات الأساسية من طعام وملبس من خلال الرجل؟.
هل دوري كأم كباقي أمهات المخلوقات الأخرى جينيا؟ هل توارثنا أننا المسؤوليات عن تلبية احتياجات الصغار؟.
هل ظل لدينا هذا النمط من السلوكيات المتوارثة رغم توفر ظروف تتساوى فيها النساء والرجال في نفس الفرص لتلبية الاحتياجات الأساسية؟.
هذا التساؤل دفعني لتساؤل جديد: هل إصرار الذكور تاريخيا على منع المرأة من الحصول على فرص متساوية في المال والعمل كي يظل هو مصدر الأمان لها مما يضمن له أن تبقي معه، لذا كان يقدم المال دوما في المقابل؟.
شاهدت بعض ذكور الطيور والحيوانات تتقرب للإناث بإحضار طعام أو بإظهار جمال أو حماية، صحيح لا يوجد مخلوق غير الإنسان قد يجبر أنثى على معاشرته.
أي أن الذكور تدرك بطريقة ما أن عليهم تلبية الاحتياجات الأساسية للإناث، لكن مع التطور وتراكم الثروات استُخدم المال كعامل جذب لما يعتقد أنه قادر على تلبية الاحتياجات الأساسية والرفاهيات أيضا.
نرجع مرة أخرى لأهم مقولة متوارثة داخل ثقافتنا إلى الآن، “وزنك دهب” وأن عليه أن يقدم لك الكثير من المال، كعادة كافة التشريعات، القوانين، حتى الطبيعية منها، يتناسى الناس الدافع لتبني الفكرة أو القانون، ويصبح القانون ذاته هدفًا؛ أي أننا تناسينا أن الأصل تلبية الاحتياجات الأساسية في فترة زمنية، وأنه قد صار أو نأمل أن تكون لنا الفرص المتساوية نفسها في العمل والتعليم، ولكن تظل فاتورة الطعام والملابس والحماية -تحديدا- لها شعور مختلف عندما يتكفل بها الرجل، كأنه واجب متوارث ملتصق بذاكرتنا الجينية بطريقة ما.
