الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

طبلية أبي

الإثنين 18/سبتمبر/2023 - 05:39 م

يشدنى الحنين دائما إلى القرية حيث الذكريات الجميلة، المطبوعة في الذاكرة، فدائما أحكي عن تلك الأيام لأولادي، وأحدثهم عن القيم والعادات والتقاليد التي تتمتع بها القرية المصرية.

ومن حكايتنا تحدثنا عن الطبلية، وهي عبارة عن قرصة خشب لها ثلاث قوائم خشبية بارتفاع 20 إلى 30 سم وتستخدم  لتناول الطعام، بديل السفرة عند أهل المدينة.

كان للطبلية تقاليد وأصول يجب أن تحترم، فهي مدرسة فى التربية يلتف حولها جميع أفراد الأسرة في مواعيد ثابتة، لتناول الوجبات اليومية من إفطار وغذاء وعشاء.

كان الجميع يحترم تلك المواعيد فالإفطار في الصباح الباكر، وقبل أن يتوجه كل فرد إلى مقصده، والغذاء بعد صلاة الظهر مباشرة، والعَشاء بعد صلاة المغرب، وهي مواعيد مقدسة يجب أن يوجد كل أفراد البيت في تلك المواعيد حتى لو كانت مقاصدهم مختلفة.

كانت الطبلية في نهاية وجبة العشاء تتحول إلى مكتب، يلتف حوله الدارسون من الأسرة لكتابة واجباتهم المدرسية، وتوضع في وسط الطبلية لمبة الجاز قبل دخول الكهرباء ويأتي أولاد العم والخال والخالة ومعظم الأقارب المتقارنة في فصل دراسي واحد يكتبون واجباتهم معًا، وكان ذلك التقليد يخلق نوعًا من الحب والألفة ويزيد أواصر الصلة ويدعم العلاقات من الصغر حتى الشباب وما بعد ذلك. 

ما زلت أحتفظ في ذاكرتي بكل هذه الذكريات وما زلت أحمل كل الحب والاحترام والتقدير لكل الرفقاء، تسامرنا معا وتعاونّا معا في كل شيء في الأرض والحرث في المذاكرة تشاركنا الملابس وحتى الأحذية والمأكل والمشرب.

الطبلية علمتنا الوفاء والاحترام للمواعيد، والتعاون فعندما تنتهي الأسرة من تناول الوجبة يكون لكل طرف له مهمة من يرفع الأطباق ومن يقوم بغسلها ومن يعد الشاي فبعد العشاء ستبدأ رحلة السمر ومناقشة كل ما حدث في يومهم، والاتفاق على أعمال الغد، وتوزيع الأدوار على كل فرد، قبل أن ينفض المجلس.

فالعادة أن ينام الجميع مبكرًا والاستيقاظ قبل صلاة الفجر، ليبدؤوا يوما جديدا ليس بغريب عن سابقة، فكل الأيام متشابهة روتينية تماما، تختلف أحاديثهم بإختلاف مواسم الزراعة.
لقد غابت عن عادتنا الآن كثير من هذه التقاليد التي تعودنا عليها فلم يعد الجيل الحالي مهتما باحترام هذه المواعيد، ولا المحافظة على صلة الرحم وتقوية الروابط الاجتماعية، التي أصبحت مهددة بفعل التغيير ودخول وسائل التواصل الاجتماعى، وتغيير نمط الحياة.

ارتبط الجيران بعضهم البعض بعلاقات متينة، فأذكر أن والدتي كل يوم توزع أطباق مما نأكل على جيراننا، وكذلك الجيران يتبادلون مع جيرانهم ما لديهم، مما كان يجعل المائدة عامرة رغم بساطتها.

نريد أن نعود إلى تقوية هذه الروابط وتنمية الولاء إلى تقاليد أصيلة تربي في النفوس معنى الاحترام والتقدير والوفاء. 
فهل نعود مرة أخرى إلى الطبلية نلتف حولها في لحظة وفاء لتأصيل قيمنا وترسيخ عاداتنا. 

ونرى احترام الصغير للكبير، وعطف ورعاية الكبير للصغير، وحسن الاستماع والتربية ليخرج لنا جيلا يدرك معنى الاحترام والتقدير والبناء وعمل الخير.

لقد مرت القرية بفترة عصيبة أثرت فيها تأثيرا كبيرا، عندما سيطرت عليهم السياسة بفعل الإخوان وتم استقطابهم باسم الدين فدب بينهم الشقاق والخلاف، وتحكمت فيهم الأيديولوجيا السياسية وباعدت الأهل، حتى الأسرة الواحدة انقسمت وفترت العلاقة بين الإخوة في الدم بسبب خلافهم السياسي الذي طغى على علاقتهم الإنسانية.

شعرت بالألم على ما وصل إليه الحال ما بين الأهل والأقارب من تفتيت للروابط الأسرية وخصام وانفصال وفرقة وانتصار الخلاف السياسي على العلاقات الإنسانية.

فهل نعود نلتحم مرة أخرى وتجمعنا طبلية العائلة، حيث كنا نأكل من طبق واحد تنغمس فية كل الأيادى لتسد جوعها، وكوب واحد يروي ظمأها، ونتذكر أننا أهل وتجمعنا أواصر الدم والرحم وهي أقوى من أي شيء.

فهلموا نداوي جروحنا ونعود إلى سابق عهدنا شيء واحد وقلب واحد ويدًا واحدة كما كنا دائمًا من أجل مستقبلنا جميعا والحفاظ على هويتنا وتراثنا.

تعلمنا حولها كيف يكون الاحترام، وأن نحمد الله على عطاياه، وأن تتسع قلوبنا ونفوسنا لبعضنا البعض برغم ضيق المكان، كيف نوقر الكبير، تعلمنا هناك القناعة والرضا فطبلية أبي دائما عامرة، تستقبل كل الضيوف في رحابة وبشاشة.
فمن لم يتربَّ على طبلية أبية فاته الكثير، فهى وطن صغير له دستوره وقوانينه، هي كل القيم وكل العادات الطيبة، هي الشهامة والدرس الراسخ في عقولنا دائمًا وأبدًا.

تابع مواقعنا