15 يوما بعد الدمار.. أسر المصريين المفقودين في عاصفة دانيال يبحثون عن ذويهم بين أمل الحياة وألم الفقد
بين ليلة وضحاها، انقلبت الحياة في ليبيا رأسًا على عقب، بعد دخول العاصفة دانيال إلى الأراضي الليبية والتي أودت بحياة أكثر من 3 آلاف شخصًا وفقًا لآخر إحصائيات رسمية، فضلًا عن مئات المفقودين، الأمر الذي لم ينجو منه المصريين، فكان لهم نصيبا كبيرا من حجم الكارثة.
مساء العاشر من سبتمبر الجاري، أودت العاصفة دانيال بحياة الآلاف من المصريين بليبيا، الذين رحلوا مُحملين بالآمال وعادوا جثامين مكفنة لذوييهم، ولم تكتفي بهذا بل تركت ألمًا من نوع آخر، وتساؤلا ينهش في قلوب عدد من الأهالي ليلًا ونهارًا "عايش ولا ميت"، لا يكلون ولا يملون من قوله بصوتٍ عالي ملئ بالبكاء، وبداخله بصيص من الأمل، وهو ما حدث مع وفاء مسعد زكي، زوجة محمد شوقي إسماعيل، صاحب الـ 38 عامًا، وابن محافظة الغربية وبالتحديد مركز بسيون.
يوم ميلاده كان المكالمة الأخيرة
ماكثة في مكانها لا يفارقها هاتفها، هكذا حال وفاء مسعد زكي، كحال العديد من الأسر الباحثين عن ذوييهم بعدما تم وضعهم في عداد المفقودين الذين لم يعثر عليهم بعد انقطاع الاتصالات، عسى أن تتلقى ما يريح قلبها وعقلها عن زوجها الذي غارد في يناير الماضي، وعمل يده كمنجد مفروشات، بعدما استقرت مركبه داخل مدينة درنة الليبية ببيت صغيرٍ فيها، كما فعل سابقًا نحو سنة وشهرين، ولكن وفي تلك المرة وبعد العاصفة لم يعد للمنزل ولا لساكنه وجود، والذي تصادف قدرًا مع عيد ميلاده، كما تقول الزوجة: آخر مكالمة بينا كان يوم عيد ميلاده، وكان يوم 9 قبل العاصفة بيوم، بسحب ما قالته لـ القاهرة 24.
مكالمة يغمرها مشاعر الحب والاشتياق بالعودة التي كانت على موعد قريب، كلمات دافئة كما تصف الزوجة ممتزجة بالفكاهة والهزار، لكنها تكن تدري أن التواصل بعدها سينقطع بهذا الشكل، حيث تتابع بصوت خافت منهك من البكاء: كان هينزل الشهر ده بس الجواز بتاعه وقع فعمل بلاغ في ليبيا وأجل السفر لحد ما حصلت الكارثة.
لم تتذوق وفاء مسعد زكي، والتي لديها ولدًا بعمر السابعة، وطفلة تبلغ من عمرها ثلاث سنوات، طعم النوم منذ وقوع تلك العاصفة، فهي بين أقاويل تؤكد وجوده على قيد الحياة، وأخرى تنفي ذلك، قائلة بنبرة يتخللها الأمل: «أكتر من حد أكد لي أنه شافه»، ولكنها لا تزال تبحث وتنتظر خبرًا يذيب شتات قلبها.
بين الحياة والموت
وضع آيات أبو طالب، لم يختلف كثيرا عن وفاء من حيث معايشة ألم الفقد والبحث ليلًا ونهارًا عن فقيدها، فمنذ 3 أشهر ودعت شقيقها عامر أبو طالب محمود، صاحب الـ 23 عامًا إلى ليبيا، وهو حامل حقيبته متجهُا على بلد آخر لا يعرفه، تاركًا أصدقائه وعائلته الذي يعد الصبي الوحيد بها، ولا يهتم بشيء سوى جلب الرزق: سافر لأنه متخيل أن الفلوس هتكون أكتر وهتساعده.. هكذا تقول شقيقته.
فمنذ 13 سبتمبر الجاري، حيث موعد آخر مكالمة بينهم، تفتش آيات وعائلتها هناك وهناك في كافة الأخبار، تستعين بكل من يستطيع أن يمد يد المساعدة، ويجاوب على السؤال الذي طالما يزداد صعوبته يومًا بعد يوم، تتابع بترقب الفيديوهات المتداولة، ولكنها ترجع مُحملة بعبء الحيرة من الإجابات التي تحصل عليها، مُسترسلة بصوت يحاول أن يلتقط أنفاسه وسط زحمة النفي والتأكيد: في ناس بتحلف أنها شافته حي، وفي وصور منتشرة لشخص متوفي تُشبه ومش عارفين الحقيقة أيه.
الحب مالي بيتنا
الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل يوم العاشر من سبتمبر، انقطع الاتصال بين مشيرة مجدي وزوجها محمد إسماعيل خلف الله، الذي سافر ليبيا عاملًا كشيف يطهي أشهى الأكلات بأحد المطاعم في مدينة درنة، ومنذ ذلك الوقت وهي تنشر عنه في كل جروبات الجالية المصرية، تخبط على كل الأبواب مُتسائلة: حد لقى محمد في أي مكان؟، بل عرضت مبلغًا ماليًا يساوي نحو 20 ألف جنيهًا في حال العثور عليه.
لطالما سمي نوفمبر بشهر الوقوع في الحب، وبالفعل كان موعد اللقاء الأول لمشيرة مجدي مع زوجها المقيم في ليبيا بعد غياب 11 شهرًا، ولأن القدر له رأيًا آخر، فأخذت العاصفة دانيال محمد إسماعيل إلى مصير مجهول فهو ليس مُصابًا أو متوفي، بل فقيدًا لأجل غير مسمى، «بنزل فى جروبات وناس كتير بترد عليا كل واحد ليه رأى، حرفيا احنا بنموت هنا، ونفسنا أي حد يطمنا عليه».. هكذا تقول زوجته.
وسط كل المحاولات التي تقوم بها زوجة الفقيد للبحث عنه منذ بداية العاصفة، لازال بداخلها أمل يصل حد السماء بأنه لا زال على قيد الحياة، لم تصدق أي روايات تشير إلى وفاته، وبصوت ينهمر منه الدموع عبرت عن ما بداخلها قائلة: انا مش مصدقة ومش عارفه أنت فين أصلا بس انا بتكلم معاك كل شوية وشايفاك بتتحرك في البيت معايا وبتضحك وتهزر كالعادة، أنا انكسرت من غيرك وانكسرت كل حاجه حلو معاك.
إحصائيات المصريين في ليبيا
قرابة 400 اتصال تلقتهم وزارة الهجرة بعد حدوث كارثة العاصفة دانيال في ليبيا، وفقا للبلاغات التي تلقتها غرفة العمليات المركزية بوزارة الهجرة، من بينهم 293 مفقودا في مدينة درنة، أهالي وأسر منهمرون في البكاء على ذوييهم المفقودين، ومُستنجدين بالمسئولين.
وتأتي أعداد المصريين في ليبيا وفقًا لوزارة الهجرة نحو350 ألف مصري، بينهم 200 ألف في الشرق و150 ألف مصري في الغرب وأن هناك مصريين غير مقيدين.