أكتوبر انتصار ملهم
«رسمنا على القلب وجه الوطن نخيلا ونيلا وشعبا أصيلا.. وصناك يا مصر طول الزمن ليبقى شبابك جيلا فجيلا».. لا شيء أهم وأكثر فخرا من الكتابة عن أمر يخص الوطن فهو الشرف، وهل هناك أغلى من شرف الإنسان؟، وذلك لأن الدين قد أمرنا بمحبة أوطاننا والتضحية من أجلها بالحياة التي هي أعز ما نملك، فإذا كان هناك من يبذلها في سبيل وطنه، فهذا حقا يستحق أنه نضعه فوق الرؤوس، ونقدم لروحه الطاهرة التحية الواجبة ما حيينا.
وهنا وقبل كل شيء أتقدم بكل التحايا لأبطالنا الذين شاركوا في معركة العزة والكرامة، وأعادوا لوطننا الغالي روحه التي سلبت لسنوات، وزرعوا الأمل في نفوس الأمة كلها من المحيط إلى الخليج بعد يأس وقنوط، في يوم السادس من أكتوبر عام 1973 وندعو بالرحمة لمن فارق دنيانا منهم، أما شهداء هذه المعركة فلا يمكن أن تفيهم كل كلمات الدنيا حقهم، فهم أحياء عند ربهم بإذنه يرزقون شهداء أبرار في جنات النعيم جزاء وفاق لما قدموه من تضحية وفداء.
نعيش الآن الذكرى الخمسين لانتصار أكتوبر المجيد والذي يأتي كل عام بمثابة طاقة شحن للهمم من جديد، ولتذكير الأجيال ببطولات أذهلت العالم، وجعلت العدو يقف حائرا لا يصدق ما يحدث حوله من هول الصدمة، وكما قال الرئيس الراحل بطل الحرب والسلام محمد أنور السادات، الذي كان وقتها القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية ورئيس الجمهورية، إن قواتنا استطاعت اجتياز خط بارليف المنيع، والذي كان قد تم تجهيزه بطريقة تجعله يصمد أمام أي قوة تدميرية في العالم، وذلك بعد عبور قناة السويس واجتياز الساتر الترابي الضخم وتلك وحدها معجزة أخرى، ثم أفقدت العدو توازنه في 6 ساعات فقط.. وهنا لا يفوتنا أن نترحم عليه وقد كتب الله له الشهادة في نفس هذا اليوم أثناء الاحتفال به عام 1981 بيد غدر آثمة.
بدأت تلك المعركة الباسلة بحسب التقويم الهجري في العاشر من رمضان الساعة الثانية ظهرا، وقد لعب عنصر المفاجأة مع التخطيط الذي لم يترك ثغرة للصدفة دورا حاسما فيها، حيث إنه ساعة الصفر ظلت سرية لآخر لحظة قبل إعطاء الأوامر لسلاح الطيران بتوجيه الضربة الأولى لتدمير دفاعات العدو، وتغطية القوات التي تنفذ عملية العبور.
وبهذه المناسبة أذكر أنه منذ أيام قليلة، كانت تذيع إحدى قنوات التليفزيون المصري فيلما تسجيليا عن حرب أكتوبر، ضمن الاحتفالات بهذا النصر العظيم، وخلاله كان يتحدث البطل "محمد المصري" الملقب بصائد الدبابات عن ذكرياته أثناء الحرب.
الغريب أنه يذكر أحداثا مر عليها 45 عاما بحماس شديد كأنه عاشها أمس أو ما زال يعيشها، ويتذكر أدق التفاصيل وذلك يدل على حالة تم حفرها بداخله لا يمكن للسنين أن تمحوها مها طالت، وهذا يمنحنا نحن الأجيال اللاحقة دفعة للأمام أو هكذا يجب أن يكون ويحملنا مسئولية كبيرة تجاه هذا الوطن أيضا.
علينا أن نستلهم الدروس والعبر بشكل دائم، ونعرف جيدا قيمة وطن حر، فلا شيء أغلى من الحرية، وليعلم كل فرد سواء كان مواطنا عاديا أو مسئولا أن الوطن أمانة سوف يسأل عنها أمام الله، وكيف ضحى الأبطال بأنفسهم لأجله دون تردد أو خوف، حتى عادت رايته ترفرف خفاقة على كامل ترابه، وقد خرج المحتل الغادر يجر أذيال الخيبة والهزيمة، ومنذ ذلك الحين ومصرنا الغالية حرة أبية بشعبها وجيشها البطل.
حفظ الله جيشنا المصري العظيم الذي كنا ومازلنا وسنظل فخورين به واثقين تمام الثقة فيه، نعلم أنه درع الوطن الحامي وسيفه الباطش في وجه كل عدو غاشم، مهما كان وأينما وجد، ونسأله سبحانه وتعالى أن يحمي بلادنا الغالية من كل مكروه وسوء، ويجعلها دائما في نصر وعزة وكرامة وسخاء رخاء بفضله وكرمه.