جولدا «فيلم»
في خضم احتفالنا بالذكرى الخمسين لانتصار أكتوبر المجيد، فكل عام يكون هناك الجديد من الأحداث والمواقف المشرفة لأبطالنا، وكأن انتصارنا لم يبح بكل ذخائره العظيمة المجيدة، فتحية لكل الأبطال الذين كتبوا بروحهم ودمائهم وفدائيتهم وشجاعتهم هذا النصر العظيم.
ولقد تابعت فيلم جولدا وهو فيلم يعرض السيرة الذاتية لرئيسة وزراء الكيان الصهيوني، ويركز على أيام حرب أكتوبر فقط، وعن طريق مؤلفه الكاتب البريطاني نيكولاس مارتن يحاول أن يعرض وجهة نظر محايدة لكونه بريطانيا وليس يهوديا، ولكنه وقع فى كثير من الأخطاء والتى ستصل لكثيرين على أنها حقيقة مع أنها مخالفة للواقع وكل الحقائق ولأنه من إخراج الإسرائيلي جاي ناتيف.
لقد بدأت أحداث الفيلم وهي في لحظة انكسار، وهى في طريقها إلى المثول للتحقيق أمام لجنة أجرانات التى جرى تكوينها في 21 نوفمبر 1973 للتحقيق في القصور الذي تصرف به الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الثلاثة الأولى من حرب أكتوبر1973 برئاسة شمعون أجرانات والذى تم الإفراج عن كامل التقرير الذى دونته لكل المسؤولين عن هزيمتهم الساحقة عام 2007.
في أحداث الفيلم جاؤوا باسم أشرف مروان على أنه رجُلهم في القاهرة والذي أبلغهم بميعاد الحرب، ليدلل على أنهم وصلوا إلى صهر عبد الناصر وأقرب المقربين إلى السادات، وهذا على خلاف الحقيقة باعتراف كثير من قادتهم أن مروان قد خدعهم.
وأنهم من خلال استخباراتهم وطيرانهم تم تصوير الحشود العسكرية، ولكنهم لم يرفعوا درجة استعدادهم للدرجة القصوى، والسبب كانت خطة الخداع الاستراتيجى التي مارستها القيادة المصرية ضدهم مرارا، وكلفتهم التعبئة العامة الكثير من الأموال بدون أن يكون هناك حرب.
كذلك بعد قبول مصر مبادرة روجز والعمل على تسليح وبناء القوات المسلحة، وعندما جاء السادات رئيسا أظهر للأمريكان طوال الوقت أنه رجل سلام ويجب الامتثال لقرار 242، وكان هذا أيضا من ضمن خطة الخداع فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
لقد كانت خطة الخداع لها دور محوري كبير في الحرب، رغم تفوق جهازهم الاستخباراتى لكنهم وقعوا في الفخ، بعد أن أعلن السادات عن زيارته يوم 8 أكتوبر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتسريح جزء من الجيش، ورحلات العمرة للضباط والجنود، وترحيل الخبراء السوفيت السريع، وغيرها من الأمور التى جعلت الإسرائيليين يصدقون ان مصر عاجزة عن الحرب، وان حاربوا كما قال ديان سنمزق أطرافهم.
كذلك نقطة أخرى جعلتهم يقعون في فخ وقعنا فيه نحن فى 1967، من سيبدأ المعركة وأن قرار مجلس الأمن رقم 242 لم تحترمه إسرائيل، لكنها تعهدت مع نيكسون الرئيس الأمريكى بعدم بدء القتال.
وقالت جولدا بكل ثقة بأنهم في حالة تلقيهم الضربة الأولى ستكون أسهل عليهم، ولأنهم لا يريدون انتهاك قرار وقف اطلاق النار، وسيكسبون ثقة الأمريكان بأن يظهروا بمظهر الضحية، مع أنهم مغتصبون أرض ليست من حقهم بعد استيلائهم على شبة جزيرة سيناء والجولان السورية.
وفى لحظة شق السماء الطيران المصري 220 طائرة تضرب أهدافها بدقة، ووسط نيران المدفعية، وعبور القناة، وتحطيم خط بارليف بكل تحصيناته، ورفع العلم المصري على الضفة الشرقية، لم تصدق جولدا ولا الإسرائيليين ولم يفوقوا من هول الصدمة، فاتصلت بهنرى كيسنجر لتقول له ان مصر هى المعتدية مع أن هذا مخالف للحقيقة والفيلم يدعى ذلك، فمصر تريد استعاده أرضها ولم ولن تكون أبدا دولة معتدية.
قالت جولدا لكيسنجر سنقاتل حتى يعبر آخر جندي القناة، وهذا يدل على عدوانيتها وأفعالها البغيضة التي قامت بها فى بحر البقر أو حتى داخل إسرائيل، وعدائها الشديد للعرب عموما، لكن لا ينكر أنها سياسية كبيرة، فهي المرأة الحديدة كما كانوا يطلقون عليها وأم اليهود، ولها تاريخ طويل مع بن جوريون والفى اشكول في تأسيس إسرائيل.
لكن أغرب ما فى الفيلم أيضا هو إظهار مرضها وشقائها فى فترات كثيرة من الأحداث، وأنها رغم هذا المرض اللعين تجاهد نفسها وتتماسك من اجل الدفاع عن حلم كل الإسرائلين، مع انها معتدية ومغتصة ماهو ليس لها وهذا ما أراد المؤلف أن يوضحه على خلاف الحقيقة لتكسب التعاطف.
كما يوضح الفيلم قلقها الدائم من الروس مع انها مواليد أوكرانيا، وعلاقتها بالأمريكان فى وقت كان نيكسون تحت ضغط فضيحة وترجيت، إلا أن هنري نقل لها وقوفه بجانبهم ومقوله كيسنجر لها أنه فى المقام الأول أمريكى وثانيا أنه يهودى يدل على دوره الكبير فى مساعدة اليهود حتى اكتشاف الثغرة، وموقفة من أن السادات قبل وقف إطلاق النار وأن أمامها 18 ساعة لإعلانه عند عودته إلى واشنطن أعطاها الضوء الأخضر لانتهاك القرار حتى يتم إعلانه، وقالت يجب إمساك السادات من عنقه.
نعم لقد كانت الثغرة خطأ جسيما من جانبنا، وتحريك اللواء المدرع الموجود بالقاهرة إلى ساحة المعركة كان خطأ آخر لا محل لمناقشته الآن.
لكن أثناء مباحثات الكيلو 101 نقل الجانب الإسرائيلى إلى جولدا تحيات الرئيس السادات بقوله رئيسة وزراء إسرائيل وهنا ابتهجت جولدا فقد اعترف السادات بدولة إسرائيل هذا ما وصل إليها، ومعنى ذلك أنها تقبل التفاوض.
وذهب السادات إلى عقر دارهم في الكنيست وقال خطبته المشهورة، حتى وصلنا إلى اتفاقية كامب ديفيد وعادت أراضينا بكاملها لنا.
في النهاية مؤلف العمل ركز على مرض السيدة العجوز لتنال العطف، وأخطأ على إظهار مصر بأنها دولة معتدية، وأن مروان كان جاسوسًا لإسرائيل، وعرضه مشهد الجثث أكثر من مرة لدلالته على السادية والعنف من جانب المصريين وهذا غير صحيح، كما قلل من حجم المساعدات الأمريكية لهم مع أن الأمريكان قاموا بعمل جسر جوي لتقديم المساعدة وليس كما تقول جولدا هم الأمريكان مش عايزنا ننهزم، بس عايزنا ننتصر بأنف مكسور، ولكنه صدق في أننا كبدناهم هزيمة قاصية.
فتحية لكل شهدائنا الأبرار