باقون ما بقي الزعتر والزيتون
في صبيحة يوم 7 أكتوبر، نفذت حماس عملية كبيرة ضد الكيان الصهيوني، لا شك أننا هللنا من قدرة التنظيم على القيام بعملية كبيرة كتلك، مخترقا الحصار والمنظومة الأمنية الكبيرة للكيان.
وتزامنت العملية مع احتفالنا بالذكرى الخمسين لنصر أكتوبر المجيد، ومع الفرحة المرتقبة بحذر شديد من تداعيات تلك الواقعة، وأن الرد الإسرائيلي سيكون كالمعتاد، ثم ينصاع للتفاوض من أجل الأسرى، وينصاع للضغوطات الدولية.
لكن للأسف كان الرد أكبر من المتوقع، ولا شك أن حماس وكل الجماعات الداعمة لها تفاجأت بهذا الرد القاسي، بعد أن أفاق الكيان من صدمته.
فالعملية كسرت كبرياءه، وأسقطت كل غروره، وكل ما يملكه من تكنولوجيا وتسليح، لم يصمد أمام أبناء المقاومة.
وسرعان ما كان الرد هجوما على غزة بشكل عنيف ومخيف لا يتبع أي قواعد، من حكومة يمينية متشددة كانت طوال الوقت تنتهك حق الشعب الفلسطيني وتمارس القمع والقتل دون رحمة.
لكن دعونا أولا نؤكد حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه، والدفاع عنها واسترداد كل حقوقه المسلوبة.
فنحن أمام أطول احتلال في التاريخ، ولم يتم الوصول إلى تسوية مع هذا الكيان الغاشم المحتل، الذي لا يحترم عهود ومواثيق وقرارات كل المنظمات الأممية، ولا يقبل يد السلام بحل الدولتين، الذي كان محالا من جانبنا، أصبحنا الآن نسعى إليه رغبة في السلام الآمن للمنطقة كلها.
لكن ما يدعو للأسى هو العالم الذي كنا نظنه حرًّا، يحترم حق الشعوب، ويدافع عن الإنسانية، وحقوق الإنسان.
هذا العالم انتُزعت منه إنسانيته، ذهب ليدين حماس وفعلها، وتناسى أن الشعب الفلسطيني له حق، وله قضية يدافع عنها، وأن من حقه الدفاع والمقاومة حتى تحرير أرضه المسلوبة.
ذهب هذا العالم ليساند الكيان الصهيوني في عملية العقاب الجماعي لكل أهل غزة، ويقذف المدينة بطيرانه، يستهدف مباني السكان الآمنين، والمدارس والمستشفيات والطرقات وكل البنية التحتية، ولم يكتفِ بذلك وحسب، بل حاصر القطاع، وقطع المياه والكهرباء، والإنترنت، ومنع فتح ممرات آمنة، ويرفض حتى تلك اللحظة دخول المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، أو حتى دخول المساعدات الطبية والوقود لإنارة المستشفيات وتشغيل الأجهزة حمايةً للمرضى.
وما زاد من غطرسته أن يطالب سكان القطاع بالهجرة إلى الجنوب، واللجوء إلى دول الجوار، وهنا يقصد مصر تحديدا، وذكرها خبراؤه صراحة لنقل جبهة الصراع إلى مصر، والحومات الموالية للكيان تؤيده وتبارك كل عدوانيته، بل وتسابق البعض منهم لزيارة أرضنا المحتلة ليتضامنوا مع حكومة الكيان، ويشنوا حملة قوية على حماس المتطرفة من وجهة نظرهم، وكأن كل فلسطين حماس.
مع أنني شخصيا قد اختلف مع حماس في خلافها مع فتح، وتقسيم الشعب الفلسطيني، وعلاقتها بإيران، وحزب الله، وجماعة الإخوان المسلمين، وما فعلته معنا في مصر إبان ثورة 25 يناير وما بعد الإطاحة بمرسي، وممارستها إرهابا ضد جنودنا وأهلنا في سيناء، ولكني أؤيد دفاعها عن حق شعبها الفلسطيني في تحرير أرضه.
ويجب أن نطرح هنا سؤالا: لماذا لم يسأل هؤلاء القادة الذين تسابقوا ليقدموا الدعم والمساندة للكيان، وإسرائيل نفسها لماذا فعلت حماس كل ذلك؟.
القضية الفلسطينية لن تموت، وإسرائيل لو ظلت تمارس القمع والأسر والقتل فلن تفتر عزيمة الشعب الفلسطيني، ومنه حماس وكل الجماعات المسلحة الفلسطينية، حتى يسترد أرضه المحتلة.
يزداد الوضع سوءًا، ولا أحد يعلم في ظل مساندة الولايات المتحدة، وألمانيا والنمسا واليابان وغيرها من الدول لعصابة الكيان الصهيوني في بربريتها كيف تنتهي تلك الأزمة المريرة؟.
وهل حماس ومن ساندها في عمليتها لم يرسم خريطة لتلك السيناريوهات المحتملة التي لن يتحملها أهل غزة، ولا الشعب الفلسطيني؟.
صحيح أن العالم العربي يساند القضية الفلسطينية ويدين بربرية إسرائيل، لكن ماذا يقدم أكثر من التنديد والإدانة، وبعض المساعدات الإنسانية، والكثير من الحكومات العربية في حالة تطبيع كامل مع الكيان المحتل.
على العالم العربي أن يستيقط من سباته، ويتحمل مسؤولياته أمام ضميره العربي، وشعوب بلدانهم الثائرة، والمتيمة بالحب للشعب الفلسطيني، والمؤازرة لقضيته.
فقد قدم الكثير من وقت نكبة 1948، ولن يسمح بتكرار نكبة أخرى، توصم في جبينه مدى الدهر، بأن يتم قتل وإبادة أهل غزة، وأن تكون هناك هجرة جماعية جديدة، ليصل المحتل إلى مبتغاه، على الشعوب العربية المؤازرة، والضغط على تلك الحكومات لتعديل موقفها، والوصول إلى تسوية، فهذا هو الوقت المناسب للوصول إلى حالة تسوية كاملة وشاملة، إن أرادوا للمنطقة سلاما دائما.
ولكن أكثر ما نخشاه أن تطول أمد تلك الحرب، التي تدخلها إسرائيل وهي مستندة إلى قوتها العسكرية، والدعم الكامل من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان الكبرى، أمام شعب أعزل، تحمل لعشرات السنوات غباء حكومات الكيان قتلا وأسرا وسلبا ونهبا لكل حقوقه المشروعة.
مع أن تلك الحكومات الغربية نفسها التي تسابقت لتدعم الكيان، ذهبت بكل ثقلها لتدعم أوكرانيا في الحرب التي تشنها روسيا عليها، وكأن الأمرين غير متشابهين.
لقد سقطت أكذوبة تلك الحكومات التي تتباهى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، اليوم انعدمت إنسانيتهم وهم يؤيدون سياسة العقاب الجماعي، ويباركون القتل والتخريب والحصار والتجويع لأهلنا في غزة.
هل يظن هذا العالم الحر، أن إسرائيل المغتصبة تحارب جيشا نظاميا؟، إنها تحارب أفرادا، فهل تأهب العالم المساند للكيان ضد جماعة وسمح لجيش نظامي قوي بانتهاك كل قوانين الحرب بضربه المدنيين الآمنين العزل؟.
هل صدق مزاعم الكيان بقتل حماس الأطفال والأبرياء والمدنيين دون دليل حتى تلك اللحظة؟ أم أنهم كذبوا كذبتهم وانساقوا وراءها لحماية مصالحهم أمام اللوبي اليهودي؟.
الآن وفورا يجب وقت القتال، والكف عن الإرهاب الذي تمارسه إسرائيل وعدم ضرب المدنيين، وعدم إرغامهم على مغادرة منازلهم وأن يتحمل العالم مسؤولياته، وأن ينظر بعين الحقيقة والعدل والإنصاف.
مع أن إسرائيل طوال تاريخها لا تحترم القرارت الدولية، وعلى الجامعة العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن وكل المنظمات الحقوقية والإنسانية على مستوى العالم أن تنشد الإنصاف والعدل، وأن تنظر إلى القضية التي طال مصادرتها وإهمالها، أن تراها اليوم بعين الحقيقة، إنها اللحظة الحاسمة للوصول إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية والإقرار بحق عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم المحتلة، والاعتراف بدولتهم ويكون لهم حق السيادة الكاملة.
ويجب أن تنتفض الشعوب لتضغط على تلك الحكومات ذات المواقف المخزية، لينتصروا لإنسانيتهم بضرورة تفهم حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وحقة في استرداد أرضه المحتلة.
وأن تكف عصابة الكيان الصهيوني عن تجاوزاتها، وأن تجلس على مائدة المفاوضات لتحل تلك القضية وتسعى للوصول إلى تسوية للطرفين، وإلى حين ذلك، فمهما قتلوا وسجنوا وشردوا ستظل المقاومة باقية، وسيظلون صامدين، ما بقي الزعتر والزيتون، مدافعين عن أرضهم، متمسكين بحق العودة إلى أرضهم المحتلة.
فتحية لكل المتشبثين بأرضهم المدافعين عنها، تحية لكل الشرفاء الداعمين للقضية الفلسطينية حكومات وأفرادًا ومنظمات.
حفظ الله شعب فلسطين.