كورونا أفقدته عمله السابق.. معاناة طيار دليفري بماكدونالدز بعد المقاطعة: إحنا من إمبابة والناس بتعاملنا كإسرائيليين وبيوتنا بتتخرب
في أحد الأزقة المتفرعة من ميدان التحرير، وأمام الباب الخلفي لـ مطعم ماكدونالدز الأمريكي، والمسئول عن خروج "طلبات المنازل"، جلس محمد عيد بوجهه الشاحب وقسماته غير الرائقة التي رسمها القلق والتوتر عليه، يطالع المارة، ينظر للشارع، وعيناه بين حين والآخر تنظر للهاتف في ترقب، تنتظر الجرس الذي اعتاد أن يسمعه كثيرًا، أذنه تشتاق لسماع جملة اعتادت أن تشنف أذنيه نحو 25 مرة يوميًا، "عاوز أعمل أوردر"، غير أن ثمة حركة المقاطعة التي شنها المصريون ضد المجموعة دعما لفلسطين، حالت دون ذلك، وقللت من مرات سماع الجملة، غير الخسائر التي طالته وطالت أسرته.
الجمعة الماضية، 13 أكتوبر، وبينما كان "عيد" جالسا وسط أبنائه الـ4 وزوجته، وبينما يفر في هاتفه المحمول، ساق القدر له أخبارا عن حمالات مقاطعة ماك الداعمة للجيش الإسرائيلي، أغضبه الفعل، كما أقلقه الخبر، شرد بذهنه بعيدًا يفكر في مصيره المجهول، لا شيء يجول بخاطره سوى مشهد خسارته عمله في مجموعة "أمريكانا" بسبب أزمة كورونا 2020 وإجراءات تخفيف العمالة كما يقول، حاول صاحب الـ43 عامًا أن يسيطر على نفسه أمام الأسرة وخلد إلى النوم في قلق خطف من عينه النعاس كثيرًا، وقضى ليلة طويلة غلبه جسده المنهك وخطفه من التفكير وأنعسه عنوة.
قبل نحو عامين، انضم عامل التوصيل إلى شركة معاونة لـ ماكدونالدز، وساقه القدر إلى العمل بالمجموعة، وكان الأمر كله في البداية مجزيا مع الضغط على العلامة التجارية العالمية، كما يروي: إحنا كطيارين ديليفري، الإكرامية أو التبس بنسميه رزقة اليوم، وكان بيطلع كويس، يترواح ما بين 200 لـ 250 جينها، حسب الأوردرات وبيكون كويس"، وذلك في الوقت الطبيعي، الذي كان يقضى فيه عيد من 9 لـ 10 ساعات في العمل، يقضي خلالها نحو 25 طلبا أو أكثر حال الضغط.
مقاطعة المنتجات الداعمة للإسرائيل
بين ليلة وضحاها، وبداية من يوم الجمعة الماضية، تبدلت الأحوال، قلت الطلبات، وعلت النبرات المحاربة للعلامة التجارية الذي كان يعاني العاملون بها من الضغط، وزاد الاحتقان، وارتفع سقف المضايقات، "إحنا الناس بتشتمنا في الشارع وبيقولوا علينا إسرائيليين، ونص الأوردرات بتتعمل نروح يقفلوا الموبايل، أو يقولوا إحنا جايبينكم ومش هنستلم منكم يا بتوع فلسطين.. وبفكر أشيل العلامة التجارية من على الموتسيكل"، يتذكر الرجل أنه من إمبابة، وأنه مع القضية الفلسطينية، ويرى أن المواطنين من حقهم الاعتراض على ما قامت به إدارة ماك، غير أنه يحزنه أنهم مصريون وأنهم لا يستحقون ذلك، لأنهم أصحاب قضية كغيرهم من المواطنين والعرب.
خسارة كبيرة تكبدتها الأسرة جراء تلك الممارسات، غير أن الطلبات قلت وبدورها قلت الإكرامية "البقشيش أو التبس"، إلا أنه يتحمل خسارة البنزين الناجمة عن الأوردرات المضللة، "الشركة تتحمل خسارتها الكبيرة في الأكل، وخاصة أنه مرتبط بمدة صلاحية وفيه ناس بتعمل أوردرات بـألف وألفين، لكن أنا خسارتي بتكون في البنزين لأنه من حسابي"، كما يكمل عامل التوصيل، موضحًا أنه من وسطهم من يكوّنون أنفسهم، أو يجهزون شقتهم للجواز وأرباب الأسر وغيرهم، "كل واحد فينا ليه التزامات مختلفة، وكبيرة".
رغم الخسارة التي تحملها عمال الديلفري، فإنهم يرون لو أنها مهمة فإنهم سيتحملون، "نعتبرها مشاركة لإن لازم الكل يشارك بالطريقة اللي تكون مناسبة ليه"، معلقًا على موقف اللاعب المصري الدولي محمد صلاح وموقفه السلبي تجاه القضية، ويرى أنه على الرموز الكبرى التضحية بعض الشيء أيضًا وأخذ موقف تجاه ما يحدث في القدس، لأن الضرر الواقع على بلاد أكبر من الخسارة الواقعة على الأشخاص، مختتمًا حديثه بالتضرع: ربنا يفكها علينا ويسترها على العرب وينصرهم، ولو كنت مكان صاحب الشركة، كنت تبرعت لإخوانا في فلسطين، وقضيت على الكلام ده كله من أساسه، وهيكون موقف الكل يحترمني عليه، لإن الظروف هناك أكيد صعبة".